شرعت النتائج الأولية لمشروع أميركي ضخم يرمي إلى كشف التركيب الجيني المسؤول عن الأورام السرطانية، في الظهور أخيراً. ويهدف المشروع للتعرّف إلى آلية حدوث الطفرات الشائعة في الأنواع المختلفة من أورام السرطان في البشر. وقبل بضعة أسابيع، تسلّمت السلطات الصحية الرسمية في الولاياتالمتحدة نتائج بحوث فريق علمي أنهى تجربته الأولى عن الجينات السرطانية، وبلغت تكلفتها100 ألف دولار. والمعلوم أن الأورام الخبيثة عموماً تحدث عندما يظهر تغيير غير طبيعي يُسمى"طفرة سرطانية" في تركيب بعض الجينات في الأنسجة. ويرتبط كل نوع من السرطان بطفرة جينية من نوع مُعين. ومنذ فترة طويلة، يحاول العلماء التعرّف إلى أنواع الطفرات التي تصيب جينات الأنسجة في الجسم، ما يعتبر خطوة في فهم طبيعة الورم السرطاني نفسه. والمعلوم أيضاً أن الجينات هي جزء من الحمض النووي الوراثي، وتتميّز بأنها تحمل المعلومات الأساسية عن عمل الأنسجة وتركيبتها. وفي هذا الصدد، أوضح الباحث إيريك لاندر من"المعهد الشامل"في جامعة"كامبردج"الأميركية ولاية"ماساتشوستس""ان البحث الموسّع عن طفرات في أحد أنواع الأورام الخبيثة التي تصيب الدماغ، أوصلنا إلى معرفة ما يصيب الجينات التي نعلم أنها مرتبطة بذلك الورم... كما اكتشفنا جينات أخرى تُساهم في نموّه أيضاً". واستطرد قائلاً:"ان المعلومات عن تركيب سلاسل الحمض النووي في الورم السرطاني، بالإضافة إلى تحاليل جينيّة أخرى، قد تفتح الطريق أمام علاجات جديدة من شأنها أن تساعد في شفاء المرضى أو إطالة فترة صراعهم مع الورم الخبيث. ويبدو ذلك الأمر شديد الأهمية، مثلاً، بالنسبة الى من يُصاب بسرطان في الدماغ قد لا يمهله أكثر من سنة. وقدّم لاندر وفريقه حججاً قوية لدعم مبادرة علمية ضخمة قوامها تأليف فرق عدّة لتنخرط في عمل جماعي هدفه التعرّف إلى الطفرة التي تُصيب الجينات فتحوّلها من الحال الطبيعية الى السرطانية. ويُطلق على هذه المبادرة اسم"مشروع المُجَيّن البشري"أو"المُجَيّن السرطاني الأطلسي". واقترح لاندر هذا المشروع منذ 3 سنوات. ويهدف"المُجَيّن السرطاني الأطلسي"للعثور على الطفرات الشائعة في أبرز الأمراض السرطانيّة البشريّة، في فترة لا تزيد على عشر سنوات، بكلفة تصل إلى 1.5 بليون دولار. وفي المقابل، انتقد بعض العلماء الفكرة، قائلين إنّها لا تستحقّ هذا المبلغ مجلّة"ساينس"، 21 تشرين الأول/أكتوبر 2005. وكذلك أطلق"معهد السرطان الوطني الأميركي"وپ"معهد المُجيّن"مشروعاً تجريبياً مشابهاً في الولاياتالمتحدة من المُقرّر أن يستمر 3 سنوات. وفي سياق متصل، أصغى خبراء من"لجنة المستشارين العلميّة"في"معهد السرطان الوطني"الى التقرير الذي أعدّه لاندر وفريقه عن جينات السرطان. وأبدى أحد هؤلاء الخبراء، هو لي هارتوال من"مركز فراد هاتشينسن للأبحاث السرطانيّة"في سياتل- واشنطن تشكيكه في جدوى البحث عن التركيب الجيني المشترك بين الأورام السرطانية عند البشر. وقال:"أظن أن ابتكار شيء يغيّر جذرياً طريقة تفكيرنا في الورم السرطاني في هذه المرحلة الأوليّة لا يعتبر أمراً مألوفاً". ولخّص لاندر البحث عن الجينات المتعلّقة بالورم الدماغي الذي تركزت عليه تجربته، وهو الأول من بين 3 أنواع من الأمراض السرطانيّة الذي يخضع للتحقيق. وبيّن أنه عمل على ترتيب 600 جينة مرشحة في 86 عيّنة، واستطاع فريقه الذي يعمل ضمن مشروع"سرطان المُجيّن الأطلسي"التعرّف إلى الطفرات التي حدثت في 5 جينات يعرف العلماء أنها تتصل بالورم الذي تناولته التجربة، كما اكتشف 3 جينات لها الأثر نفسه. واستطاع الفريق تعطيل عمل أحد الجينات المُسرطنة المكتشفة، والتي تبدو مهمّة جداً، في 20 في المئة من العينات. كما أشار شارل بيرو من"جامعة كاليفورنيا الشماليّة- شابل هيل"، أن كلّ نوع من الأورام الخبيثة في الدماغ يُظهر طفرات مختلفة ضمن الجينة الأساسيّة، ما يدلّ إلى إمكان التغيير. توحي هذه النتائج، بحسب جراح الأعصاب كاميرون برانان من"مركز ميموريال سلون كاترينغ للأمراض السرطانيّة"في مدينة نيويورك، بأن من الممكن للأطباء تصنيف المصابين بالورم السرطاني بحسب نوع الجينات التي تتسبّب فيه. وفي مرحلة تالية، يمكن البحث عن علاج جيني متخصص، لينال كل نوع من السرطانات علاجاً يتطابق مع مواصفاته الجينية. ولا تتوافر معلومات كافية راهناً لإنجاز مثل تلك الأمور. وطرحت لجنة المستشارين العلمية بعض الأسئلة على لاندر وفريقه. واعتبر أحد أعضائها أنه أمر"مشوش"أن يتوقع المرضى المصابون بأنواع سرطانيّة مختلفة أن يعيشوا آماداً متشابهة! وأوضح رئيس الجلسة روبرت يونغ، وهو رئيس"مركز فوكس تشايس للأمراض السرطانيّة"في فيلادلفيا- بينسلفانيا، ان هذه النتائج الأوليّة لن تقنع الكثير من المشكّكين. وعلق على جهود استكشاف المُجَيّن السرطانيّ واصفاً إياه بأنه"لا يزال موضوعاً قابلاً للمناقشة، خصوصاً أهمية العلاج الجيني، وهل أنه يمثّل طريقة وحيدة أو أسلوباً أفضل في علاج السرطان". ووصف نتائج تجربة لاندر وفريقة بأنها"عرض أوّليّ مشجّع، ومن الممكن تنفيذه".