يعتقد معظم الناس أن الطب لا يزال عاجزاً عن حل رموز الشفرة لمرض السرطان وانه لم يحصل حتى الآن أي تقدم في كشف اسبابه وتشخيصه المبكر ومعالجته بعد انتقاله أو انتشاره. إن هذا الاعتقاد خاطئ ولا يمت للحقيقة بأية صلة كما كنت قد ناقشته سابقاً في مقالة حول سرطان الكلية في "عيادة الرياض" حيث أظهرت أهمية التشوهات الجينية في تسببه وانتقاله. وفي مقالة حديثة نشرت بتاريخ 5ذي القعدة 1429ه الموافق 3نوفمبر 2008م في مجلة "يو أس نيوز وورلد ريبورت" الأمريكية تحت عنوان "حل اسرار السرطان" أبرز الدكتور "هيلي" التقدم البارز الذي حققه الطب في كشف أسبابه وآليته ووسائل انتقاله والمستجدات الحديثة في تشخيصه ومعالجته معتمداً على أحدث الأبحاث والاختبارات العالمية حوله. فالسرطان مرض متغاير قد يختلف رغم تشابهه النسيجي بين شخص وآخر ويتمتع بميزات جينية ومرضية خاصة لكل نوع منه. وقد اسفرت الأبحاث المكثفة في كل أنحاء العالم عن نتائج مذهلة حول التشوهات الجينية المتعددة التي تميز العديد من أنواع السرطان والتي تكون خصوصية لها والتي تساعد خلايا هذا الورم الفتاك على التكاثر والحؤول دون الموت المبرمج وعلى الانتشار. وثمة الألوف من الجينات المشوهة قد تتفاعل معاً لخلق سبل جزيئية تساعد السرطان على النمو بسرعة وانتاج شرايين خاصة به للانتشار في كافة أنحاء الجسم بدون أي رادع مناعي. وقد نجح الباحثون في السنوات القليلة الماضية في تحديد بعض الطفرات التي تصيب الجينات والتي تتطلب معالجات خاصة لحصارها بطريقة خاصة لكل نوع من أنواع السرطان ومنعه من خلق سبل جديدة تساعده على تفادي المعالجة كما يحصل في العديد من الحالات ومحاولة كبح تقدمه وانتشاره باستعمال عدة عقاقير كما هو الحال في مرض الأيدز مثلاً التي حتى إن لم تتمكن من القضاء عليه ولكنها قد تنجح في حصره ومنع انتشاره على مدى سنوات عديدة. وفي الحرب الشعواء بين السرطان والباحثين منذ حوالي 40سنة ونيف لم يتمكن الأطباء حتى الآن من كسب الا بعض المعارك وخسارة معظمها مع نسبة الوفاة بسبب السرطان حوالي 500.000مريض سنوياً في الولاياتالمتحدةالامريكية وحدها والالوف في جميع أنحاء العالم. الا ان المستجدات الحديثة حول التشوهات الجينية وتأثيرها على حصول السرطان فد فتحت أبواباً مشرقة حول امكانية ربح المعركة خلال 10الى 20سنة كما ادعى الدكتور "دوبوا" عميد مركز "أم دي اندرسون لمعالجة السرطان" في مدينة هيوستون في الولاياتالمتحدة وذلك بتطبيق معالجة "خاصة وشخصية" لكل نوع من أنواع السرطان حسب نمطه الجيني الخاص. وقد تكاثفت جهود اختصاصيي الوراثة الذين نجحوا في رسم خريطة الجين المكونة من 20.000جين من تحديد الألوف من الطفرات والتشوهات الجينية الخاصة بكل نوع من أنواع السرطان مما يساعد على اكتشاف خصائص وسلوك كل منها وتصوب العلاج الخاص لها كما حصل حديثاً بالنسبة الى سرطان الدماغ الذي يدعى ورم الأوردة الدبقية والذي يقاوم جميع أنواع المعالجة ويفتك بالمرضى في غضون سنتين حيث تم اكتشاف الخلل الجيني المسؤول عنه مما قد يساعد في المستقبل على تطبيق معالجة ناجحة له إن شاء الله ولاسيما انه اتضح حديثاً ان الأورام التي تتشابه نسيجياً قد تختلف جينياً وتتطلب معالجات خاصة. الخلايا الجذعية ومن الاكتشافات الحديثة البارزة دور الخلايا الجذعية الموجودة داخل الأورام وأهميتها في نموها وافشالها لكافة المعالجات الحديثة وتمكنها من التقدم والانتشار على الرغم من النجاح بالعلاج الأولي ان كان جراحياً او كيميائيا او اشعاعياً. وقد اكتشف ايضاً الباحثون دور الأنسجة السليمة التي تتفاقم مع الورم في تسهيل نموه وانتشاره بالشرايين الضرورية لامتداده وتطبيق معالجة خاصة لكبح تلك الآلية المرضية او بمعالجة دوائية ضد عوامل النمو او بمعالجة مناعية تعتمد على حث الجهاز المناعي في محاربة الخلايا السرطانية والقضاء عليها. ومن الأهمية الكبرى استعمال تحاليل جينية لتشخيص السرطان المبكر واستعمال وسمة خاصة لكل منه وتحديد خصائصه بالنسبة الى تواجد الورم ودرجة خبثه واحتمال تجاوبه للمعاجلة الدوائية او المناعية. ومن أهم الوسائل العلاجية الوقاية من حصول بعض انواع الأورام الخبيثة كالامتناع عن التدخين الذي يسبب حوالي 30% من جميع الوفيات بسبب سرطان الرئة وغيره واتباع حمية غنية بالخضار والالياف والفاكهة وبعض الفيتامينات كفيتامين ه و د والسلينيوم وغيرها وتفادي التعرض الى بعض المواد الكيميائية السامة التي تعرض للإصابة بالسرطان. وخلاصة القول ان التقدم الطبي البارز بالنسبة الى اكتشاف التشوهات الجينية التي تسبب معظم انواع السرطان ستتيح بعون الله سبحانه وتعالى تطبيق معالجة خاصة لكل نوع من أنواع السرطان حسب نمطه الجيني وذلك بتطبيق اسلوب علاجي خاص مخطط له بالحاسب الآلي والذي حتى لو لم يستطع القضاء الكامل على الخلايا السرطانية فانه بامكانه حصرها ومنعها من التقدم والانتشار لمدة طويلة من الزمن بدون ان تؤثر على جودة حياة المريض او تعيق نشاطاته اليومية وذلك في غضون 10الى 20سنة مما يبشر بالخير حول احتمال انتصار الطب على هذا المرض القاتل الذي يقضي على الملايين من الأشخاص أطفالاً وكهولاً في جميع أنحاء العالم.