بعد أشهر من المفاوضات التي عقدتها حركة "حماس" مع اسرائيل بوساطة مصرية تم التوصل الى اتفاق يقوم على تهدئة لمدة ستة اشهر في غزة تنتقل بعد ذلك الى الضفة الغربية، على أن يتم رفع الحصار بشكل تدريجي، والشروع بمفاوضات حول معبر رفح وصفقة تبادل الأسرى. لقد حققت"حماس"إنجازاً مهماً، لأن اتفاق التهدئة يشكل اعترافاً بدورها، وكونها صاحبة القرار في غزة، وهو خطوة على طريق الاعتراف الإسرائيلي بها، ويفتح ثغرة للاعتراف الدولي بها. ان اتفاق التهدئة يعني فشل سياسة العدوان والحصار والإلغاء ويشير الى الاستعداد للتعامل مع الأمر الواقع. ولكن هذا الاتفاق يمكن أن يكون مجرد هدنة مؤقتة، ومحطة بانتظار التطورات الإسرائيلية والإقليمية والدولية القادمة، خصوصاً بالنسبة الى مصير حكومة أولمرت، ومن سيأتي بعد بوش، وماذا سيفعل بوش قبل انتهاء فترة رئاسته، وهل يعقد صفقة مع إيران أم يوجه ضربة عسكرية لها. أن التهدئة هي أول اتفاق ثنائي فلسطيني - إسرائيلي يعقد داخل فلسطين ويعكس نوعا من الندية، وهو يجسد مصلحة متبادلة فلسطينية إسرائيلية، وحلاً وسطاً. ف"حماس"تراجعت عن شمول الضفة وعن رفع الحصار فورا وبالتزامن مع التهدئة، فمعبر رفح خارج الاتفاق، وإسرائيل تراجعت عن مطلبها بشمول إطلاق غلعاد شاليت باتفاق التهدئة كما تنازلت عن مطلبها بوقف تهريب وتطوير السلاح. ولكن على"حماس"أن لا تغالي بانتصارها فهو انتصار محدود وفئوي ويمكن أن يصب في سياق تعميق الانقسام بدلا من أن يخدم الحوار الوطني والوحدة. فلا يمكن أن تختزل القضية الفلسطينية، التي هي مسألة سياسية من الدرجة الاولى بالتهدئة. والتهدئة مع من؟ مع الاحتلال ومن دون أي مسار سياسي جدي قادر على إنهاء الاحتلال. في الضفة اختزلت القضية الفلسطينية بالأمن الداخلي والاقتصاد، وفي غزة اختزلت في التهدئة ورفع الحصار، وهذا وذاك أمران أعجب من بعضهما. وفي هذا السياق نستطيع أن نفهم لماذا لم تكن"حماس"متلهفة لالتقاط مبادرة الرئيس محمود عباس للحوار، حيث اكتفت بالترحيب بها من دون الإقدام على خطوة مقابلة بل استمرت في موقفها القاضي بالحوار بلا شروط مع وعد بأنها ستقدم مفاجآت على طاولة الحوار. ولكن"حماس"تنسى أن التهدئة مع الاحتلال إذا نجحت ومددت ستؤدي الى تعايش مع الاحتلال، وتعني وقفا أو تعليقا للمقاومة الى إشعار آخر، وتغطي على استمرار العدوان والاستيطان والجدار وتقطيع الأوصال في الضفة، وعلى تهويد القدس وفصلها عن بقية الأراضي المحتلة وإخراجها من أي حل بعدما أخرجت اسرائيل قضية اللاجئين عمليا من أي حل. يمكن أن يقول قائل إن التهدئة استراحة محارب وهذا أمر صحيح نسبيا ومحتمل، إلا أن المعطيات تشير الى أن ذلك مجرد احتمال. فالاحتمالات كافة مفتوحة، من ثبات التهدئة وتوسيعها الى العودة الى المواجهة والتصعيد. ولكن نجاح التهدئة يدل على أنها يمكن أن تتواصل ويتم تعزيزها، فهي تثبيت للأمر الواقع بانتظار التطورات المقبلة. ان التهدئة اذا لم يسبقها حوار وطني واتفاق على إنهاء الانقسام يمكن أن تؤدي إذا لم نشرع بالحوار الوطني الشامل الجاد الى تعميق الانقسام. والتهدئة التي عقدتها اسرائيل مع"حماس"يجب أن تشجع السلطة على أن ترمي بكل قوتها لكي تشمل الضفة لأنه لا يعقل أن تكون هناك تهدئة في غزة، وعدوان شامل واستيطان وجدار وحصار وتقطيع أوصال واعتقالات يومية في الضفة. إذا كانت اسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة، ووافقت على التهدئة مقابل وقف الصواريخ، فعلى الفلسطينيين أن يقولوا لها: اما التهدئة ووقف العدوان والاستيطان في الضفة وغزة وإطلاق مسار سياسي قادر على إنهاء الاحتلال، أو مقاومة مثمرة قادرة على تحقيق الانتصار. * كاتب فلسطيني