قد تكون انطباقات المثل الشعبي "الحركة بركة" مصيبة، إلا في جولات التفاوض وما يرتبط بها من زيارات تكاد تكون مكوكية، تقوم بها وزيرة الخارجية الأميركية لكل من فلسطين واسرائيل، حيث لا يكاد المراقب يلحظ جملة واحدة مثيرة، أو جديدة يمكن أن تبرر عناء السفر، أو ضياع الوقت الذي من المفترض أن يكون ثميناً للغرب البراغماتي. وإذا كانت مثل هذه الجهود لا تُنتج شيئاً، بحيث تحولت الى طحن للهواء وفي الهواء، فيبدو أن الهدف منها صغيراً أو مجهرياً لدرجة انه لا يعدو كونه محاولة لمنع"انفراط"الأمور، والتسليم بانسداد الأفق التفاوضي تماماً، بالإعلان الرسمي أنه لم تعد هناك جدوى، بما يفرضه ذلك من استحقاقات أخرى، أقلها أو جوهرها دفع الفلسطينيين للبحث في خيارات أخرى، هذا إن كانت لديهم مثل هذه الخيارات. ان الإدارة الأميركية التي تستعد لمغادرة البيت الأبيض، باتت مقتنعة بأنها لا تستطيع أن تفعل ما هو أكثر من إدارة الأزمة، بانتظار الإدارة الجديدة، أياً تكن، جمهورية أو ديموقراطية. لكن هذا لا يسقط بالطبع وجود رغبة أخيرة لدى ادارة بوش باجتراح معجزة تسجل في سجلها، قبل مغادرتها، لكن السياسة في شكل عام، لا تعترف بالمعجزات، كما انها تدرك تماماً، انها في الملف الفلسطيني ? الإسرائيلي بالذات لا تقرر ما ترغب به، ولا حتى ما تقتنع به، وهذا حدث أيام أوسلو، فيما تجربة الإدارة الديموقراطية السابقة في عهد الرئيس بيل كلينتون الذي حاول أن يجترح المعجزة، في كامب ديفيد، تزيد من احتمالات العبث واستحالة تحقيق مثل هذه الرغبة. ان الأيام القليلة تبدو عصيبة على المتفاوضين، مع الذكرى الستين للنكبة، حيث لا تبدو في ذلك اليوم حقيقة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي عارية وحسب، بل ومتناقضة أيضاً، حين يحتفل الإسرائيليون بما يسمونه استقلالهم، فيما يستذكر الفلسطينيون نكبتهم المستمرة منذ ذلك اليوم والمرتبطة بإقامة"دولة إسرائيل"وتهجيرهم، ومنعهم من إقامة دولتهم - على الأقل - على رغم كل المحاولات منذ سنوات طويلة لإقامة هذه الدولة، حتى تكون الحل الوسط. ما دامت المفاوضات متعثرة، وما دام حل الدولتين قد بات شعاراً معلقاً في الهواء، فإن الفلسطينيين في الداخل والخارج يملكون سلاحاً ماضياً للغاية، وهو إطلاق الطاقة الكامنة في صفوف ثمانية ملايين فلسطيني، غير محكومين بالكامل ب?"الرموت كونترول"الإقليمي، بحيث يمكن اذا قدر لهذه المفاعيل ان تستمر وأن تتصاعد أن تجبر اسرائيل على الخيار بين أمرين: دولة ثنائية القومية، أو حل الدولتين، وحتى تختار اسرائيل أهون الشرّين عليها، وهو حل الدولتين، فإنه لا بد من تصعيد الكفاح الشعبي، السياسي والمدني وحتى القضائي المرتبط بحقوق الفلسطينيين المهدورة وفي مقدمها بالطبع حق العودة. بعد ستين عاماً على بدء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، يبدو الطرفان مضطرين للعودة الى البدايات، وإعادة ترتيب أدوات الصراع وخيارات حله، وفقاً لمنهج مختلف، يأخذ في الاعتبار المتغيرات الكونية، والتطورات الداخلية على الجانبين، حيث لا يمكن القول ان عوامل القوة كلها موجودة لدى طرف، فيما عوامل الضعف كلها مقتصرة على الطرف الآخر. رجب أبو سرية - بريد الكتروني