القمة العربية هذا الشهر مطالبة بمعجزات من مستوى إحياء الموتى، والمنطق يقتضي ألا يرجو المواطن العربي كثيراً حتى لا يخيب رجاؤه، ومع ذلك نجرؤ على الأمل. هل تكمل المجموعة العربية جهد الديبلوماسية السعودية التي أنتجت اتفاق مكةالمكرمة فقامت حكومة وحدة وطنية فلسطينية على أساسه؟ المجموعة العربية قادرة لو تحدثت بصوت واحد وقال كل زعيم في السرّ ما يقول في العلن. وثمة عوامل تسهل المهمة، فإسرائيل ضربت على رأسها في حرب الصيف مع "حزب الله"، والولاياتالمتحدة تبحث عن نجاح يعوض عن فشلها الكارثي في العراق، والفلسطينيون كادوا ان يقعوا في أتون حرب أهلية، والأوروبيون وبقية العالم يريدون حلاً. ليس هناك حل غير مبادرة السلام العربية، وهي أصلاً سعودية أقرها العرب في قمة 2002 لتحمل اسمهم جميعاً، وعلى رغم مضي خمس سنوات، وعلى رغم طرح أفكار ومبادرات، تبقى المبادرة العربية "اللعبة الوحيدة في المدينة" كما تقول العبارة الانكليزية. وإسرائيل بدأت تتحدث عن قبولها أساساً للمفاوضات بعد طول معارضة. وزيرة الخارجية الأميركية الدكتورة كوندوليزا رايس ستزور المنطقة قبيل القمة، والعادة ان يشكك المواطن العربي في توقيت مثل هذه الزيارة، هل هي محاولة لإحباط التوافق العربي، أو دق إسفين بين دول عربية وأخرى. غير ان الوضع مختلف هذه المرة. وإدارة بوش "لم ترَ النور"، وهي عبارة انكليزية أخرى بمعنى انها لم تهتدِ، غير انها في حاجة الى نجاح يغطي على فشلها المستمر والمتفاقم من العراق وأفغانستان إلى القضايا الداخلية الأميركية، وتلوث البيئة الذي يلف العالم كله. حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي كفيل بالتغطية على كل فشل للإدارة، غير ان الدكتورة رايس في حاجة الى معجزة بدورها لتحقيق أي قسط من النجاح، فالحكومة الإسرائيلية ترفض الحديث الى حكومة الوحدة الوطنية، مع وجود حماس فيها كعذر، غير أن الإدارة الأميركية مستعدة للحديث الى بعض الوزراء، وقد اتصل مسؤولون فعلاً بوزير المالية سلام فياض. وكل هذا يعني ان المفاوضات الصعبة جداً أصلاً، ولو جلس الجميع الى مائدة واحدة، ستزيد صعوبة والدكتورة رايس تجري مفاوضات متوازية مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وتقوم بدور الوساطة بينهما. تبقى القضية الفلسطينية الأصل والأساس، وحلها يسهل حل كل مشكلة أخرى، غير ان القمة مطالبة بأكثر من معجزة واحدة، فالعراق جرح نازف دام، وكنت أتمنى لو أن الجيوش العربية تحل محل القوات الأميركية والحليفة وتنشر الأمن في ربوع العراق، غير انني أعرف ان مثل هذا الطلب يخرجنا من حيّز المعجزات الى الاستحالة، فأطلب معجزة ان توقف الدول العربية الاقتتال الطائفي في العراق، وان تبعد العراقيين عن حافة هاوية الحرب الأهلية، وهي إن فعلت ستحمي شعوبها مع الشعب العراقي. فالنزاع الطائفي إذا استمر سيفيض عن حدود العراق ويهدد الأقربين والأبعدين. كيف يجترح القادة العرب هذه المعجزة؟ لست من الغرور أن أعرض خطة من عندي وهناك وفود من 22 دولة وخبراء كبار يعرفون المطلوب أكثر مني. كل ما أقول اليوم انه إذا كانت الغاية تبرر الوسيلة فغاية وقف الاقتتال الطائفي بين العراقيين، وإخراج البلد من كوابيس العقود الثلاثة الأخيرة هي من الأهمية أن تبرر أي وسيلة، بما في ذلك استعمال القوة ضد الإرهابيين، والتهديد والرشوة حسب الضرورة، والعمليات السرية. ولدت مع القضية الفلسطينية، وأرجح ان أموت معها، ولا أنتقص مع أقدميتها وأهميتها شيئاً وأنا أقول إن القتل اليومي في العراق يجب أن يعطى أولوية في التعامل العربي معه، لأن إسرائيل تقتل عشرة فلسطينيين أو عشرين كل شهر، في حين يُقتل ألفا عراقي وأحياناً ثلاثة آلاف في الشهر الواحد وحماية الأرواح هي الأصل. ثمة معجزات أخرى مطلوبة، من دارفور إلى الصومال إلى الصحراء الغربية، غير أنني أتجاوزها لمحدودية خبرتي فيها وأكمل بلبنان حيث أطالب القادة العرب باستخدام كل الوسائل المتاحة لإنهاء المواجهة العبثية بين الحكومة والمعارضة. الحل الممكن والعادل يقوم على أساس ان يتنازل كل فريق عن بعض حقه، أو ما يعتبر أنه حقه، لا ان يكون لمصلحة فريق ضد فريق. وبالنظر الى ما أبدى الفرقاء اللبنانيون مع قصر نظر وسوء تقدير فإن القادة العرب لهم المبرر ان يلجأوا الى الوعد والوعيد، أي الرشوة والتهديد، كل مع الفريق المحسوب عليه، لنبعد شبح حرب أخرى عن البلد. ما يشجعني على طلب المعجزات، هو إنها متداخلة، وحل أي مشكلة يسهل التعامل مع المشكلات الأخرى، فالوضع الفلسطيني ينعكس على المنطقة كلها، والانفراج فيه سيمكن دول الجوار العربية والولاياتالمتحدة من لعب دور أكثر إيجابية في العراق. أما الحل في لبنان فيعني دخول سورية طرفاً، لأن لا حل ممكناً من دونها. بل انه يسهل حل أي توتر مع إيران، لأن الحل في لبنان غير ممكن من دون دور إيجابي لها، ومن دون تفاهم على القضايا الأخرى، بما فيها البرنامج النووي الإيراني، وما له وما عليه، وهل يهدد الجيران أو لا يهددهم. والشيء بالشيء يذكر، فمع اشتداد اللغط حول البرنامج النووي الإيراني سمعنا دولاً عربية عدة تتحدث عن طلب برنامج نووي سلمي. وأنا أؤيدها جميعاً وأشجعها، ولكن، أرجو ان تطلع القمة بموقف موحّد لبناء مفاعلات نووية للأغراض السلمية في البلدان العربية التي تحتاج الى طاقة بديلة. وأعرف من مسؤولين أصحاب علاقة في عواصم عربية ان هناك عروضاً، أو فرصاً، لعقد اتفاقات نووية مع فرنسا أو روسيا أو الصين، ما يجعلني لا أستبعد ان تتقدم الولاياتالمتحدة بعروض بديلة إذا كانت لا تستطيع منع الآخرين. نحلم ونرجو ألا نستيقظ على الواقع إيّاه.