تحاول بغداد قطف ثمار التطورات الأمنية الداخلية بالانفتاح على المحيط العربي والإقليمي من خلال حض الدول العربية على اعادة فتح سفاراتها بينما اعلنت وزارة الخارجية عن خطة لزيادة التمثيل العربي. وتتفق الحكومة العراقية مع كتل سياسية وبرلمانية على انتقاد الغياب العربي عن بغداد معتبرة أن عودة التمثيل الديبلوماسي العربي في المرحلة الحالية جاءت متأخرة، وتشير كتل اخرى الى ان السبب وراء ذلك عراقي وان ظهور العراق المشتت والمتصارع بين مكوناته بالاضافة الى وجود المحتل دفع الدول العربية الى الانسحاب من الساحة العراقية. وكان رئيس الوزراء العراقي حض في كلمة خلال مؤتمر دول الجوار العراقي الذي اختتم في الكويت امس الدول العربية على اعادة فتح سفاراتها في بغداد مؤكداً ان الموقف من هذه القضية يُعد مستغرباً. وقال:"من الصعب علينا أن نجد تفسيراً لعدم استئناف التبادل الديبلوماسي مع العراق وهي مبادرة كنا نتوقعها منذ وقت ولم تتحقق حتى الآن مع أن دولاً أجنبية عدة احتفظت ببعثاتها الديبلوماسية في بغداد ولم تتذرع بالاعتبارات الأمنية". وقال وكيل وزارة الخارجية لبيد عباوي ل"الحياة"إن"الوزارة وبالتنسيق مع عدد من الوزارات تعمل لاعداد الظروف الملائمة لاعادة فتح البعثات الديبلوماسية العربية في بغداد بعد غياب خمس سنوات". مضيفاً ان"المبررات التي كانت تقدمها الدول العربية لعدم فتح سفاراتها مجدداً بدأت بالزوال بعد التطورات الامنية والسياسية الأخيرة". وقال ان"التطور الكبير الذي حصل في الجانب الامني واعادة فرض القوات الامنية سيطرتها على عدد من مناطق بغداد كانت ساخنة واضحة للجميع ولا احد يستطيع انكاره وبالتالي فان المبررات الامنية زالت ونحن قدمنا تعهدات عدة لتوفير الحماية والامن للسفارات والقنصليات التي يتم فتحها في بغداد". وعن عدد البعثات الديبلوماسية المفتوحة حالياً، أشار عباوي الى ان هناك 52 سفارة بينها 5 سفارات عربية يرأسها وعلى مستوى القائم بالأعمال وهي فلسطين ولبنان وتونس واليمن وسورية وهناك سفير عربي واحد في العراق، وقنصليات اجنبية وهي الروسية والايطالية في البصرة والايرانية في كربلاء والبصرة والتركية في الموصل. وتعود اسباب تراجع التمثيل الديبلوماسي العربي لاعتبارات سياسية وامنية شهدتها الفترة التي اعقبت سقوط بغداد عام 2003 بأيدي القوات الاميركية سيما مع بروز موجة استهداف السفارات العربية العام 2005 عندما تم اختطاف السفير المصري وقتله وتبعه تفجير السفارة الاردنية ومحاولة اغتيال السفير البحريني واختطاف القائم بأعمال السفارة الاماراتية في مقر السفارة. وتقع مقرات البعثات الديبلوماسية عموماً في منطقتي المنصور غرب بغداد التي كانت تعد من المناطق الساخنة غرب العاصمة وفي منطقة الجادرية وسط بغداد فضلاً عن وجود عدد من السفارات في المنطقة الخضراء المحصنة ابرزها سفارتا الولاياتالمتحدة وبريطانيا. وتباينت مواقف الكتل السياسية والبرلمانية حول مسألة التمثيل الديبلوماسي العربي في العراق وقال القيادي في كتلة الائتلاف الشيعي جلال الدين الصغير ل"الحياة"ان"اصل الموقف العربي من فتح بعثات ديبلوماسية مرده رفض العملية السياسية ولا يمكن تفهم الامر بغير ذلك وتقديم عذر الوضع الامني غير مقبول وان عشرات البعثات الديبلوماسية الاوروبية والآسيوية ابقت سفاراتها مفتوحة حتى في احلك الظروف الامنية الصعبة التي مرت بالبلاد". واضاف الصغير ان"تخوف الدول العربية من التجربة العراقية واحتمال توسعها ضمن الاقليم العربي يمنعها من التواصل مع العراق كما ان على هذه الدول ان لا تشكو من تعاظم النفوذ الاميركي او الايراني في البلاد ما دامت لا تحرك ساكناً وتقوم بفتح سفاراتها لتعزيز الوجود العربي داخل العراق". وعن التحرك العربي الأخير لإعادة فتح البعثات العربية، أشار الصغير الى ان سبب ذلك يعود الى ان مراهنات عدة كانت تعول عليها هذه الدول في فشل العملية السياسية وانهيارها وقد ثبت لها عكس ذلك. من جهته، وصف القيادي في جبهة التوافق عمر بن عبدالستار عضو المكتب السياسي ل"الحزب الاسلامي"الموقف العربي من العراق بموقف العرب السنة تجاه المشاركة السياسية بعد سقوط بغداد، الذي اتسم بالمعارضة اول الأمر لكن بعد حين اكتشفوا ان ذلك كان خطأ كبيراً، واعتبر في تصريح ل"الحياة"ان"عدم فتح السفارات العربية يدعم النفوذ الايراني والاميركي وان الاحداث المؤلمة التي مرت بالبلاد من الناحية السياسية او الامنية كان احد ابرز اسبابها الغياب العربي عن الساحة العراقية الداخلية". ولفت عبدالستار الى ان الدخول العربي في الوقت الراهن"متأخر وسيكون شكلياً"وان الدول العربية لن يكون لها بعد مؤثر الا بعد فترة طويلة. لكن زعيم كتلة"العراقية"في البرلمان اسامة النجيفي قال ل"الحياة"ان"غياب الدعم الديبلوماسي العربي في العراق يعود الى عدم وضوح الحالة السياسية التي كشفت عن خلافات عميقة بين اطرافها وعدم وجود مواقف موحدة في ابسط القضايا الامر الذي جعل الموقف العربي متردداً بإعادة فتح سفاراته ما عزز وجود القوات الاميركية المحتلة. ولفت النجيفي الى أن"مهمة تشجيع الدول العربية على استئناف نشاطاتها الديبلوماسية تقع على عاتق الفرقاء السياسيين باظهار عراق موحد خال من التدخلات الخارجية ونفوذ الدول الاقليمية". وشدد على ان"المحاولات الاميركية الاخيرة لحض الدول العربية على فتح سفاراتها في بغداد تمثل خطة اميركية جديدة لإحداث التوازن على مستوى التمثل، إلا أن الدول العربية لن تقع في هذا الفخ".