عندما اجتاح الجيش الاميركي العراق في آذار مارس 2003 لم يكن اي من الضباط والجنود الاميركيين الذين يزحفون نحو بغداد سمع باسم مقتدى الصدر. لكن سرعان ما تحول هذا الزعيم الشيعي الشاب الذي يضع عمامة سوداء ترمز الى انه"سيد"اي من سلالة الرسول الى عدو لدود حاولوا مرات تصفيته. وفرض مقتدى الصدر الذي يتزعم ميلشيات"جيش المهدي"وتيارا اجتماعيا وسياسيا ممثلا في مجلس النواب، نفسه كشخصية لا يمكن تجاوزها في الجهود الرامية الى ارساء الاستقرار في البلاد. واثبت ذلك أمس بإعلانه تمديد قرار تجميد انشطة"جيش المهدي"ستة اشهر اخرى وهي هدنة يعتبرها الاميركيون حاسمة في الحفاظ على الهدوء النسبي الذي يشهده العراق منذ بضعة اشهر. وكان الرجل الثلاثيني المستدير الوجه مع لحية سوداء ونظرات ثاقبة اعلن في نهاية آب اغسطس هدنة مدتها ستة اشهر امتنع خلالها"جيش المهدي"عن مهاجمة قوات الاحتلال الاميركي التي يندد بها منذ اجتياح العراق في نيسان ابريل 2003. وجاء تجميد نشاط"جيش المهدي"اثر مواجهات في كربلاء مع ميليشيات مناوئة في احداث اعتبرها آية الله العظمى علي السيستاني،"انتهاكا كبيرا"فامتثل مقتدى الصدر الذي لا يتردد في وضع كفن ابيض يرمز الى الاستعداد للشهادة فوق عباءته السوداء عندما يؤم الصلاة، لمطالب السيستاني وطهر جيشه من هذه العناصر لكنه لم يجن الثمار السياسية المرتقبة من الهدنة، لا سيما ما كان يرجوه من زيادة في نفوذه المباشر على السلطة. وتفيد تقديرات متفاوتة ان"جيش المهدي"الذي اعلن الصدر تأسيسه بعيد سقوط بغداد في أيدي قوات التحالف، يضم بين عشرة آلاف وستين الفا. ويتهم الصدر حكومة نوري المالكي بالتعاون مع"العدو الاميركي"والولاء الى اكبر خصومه،"المجلس الاسلامي الاعلى"بزعامة عبدالعزيز الحكيم. ويتوقع ان تبت انتخابات المحافظات المقرر اجراؤها في تشرين الاول اكتوبر في الصراع المفتوح بين الطرفين الشيعيين. ويبدو ان المقاربة المعتدلة التي يعتمدها تدل على انه يرغب في تجسيد دور رجل السياسة والالقاء بثقله وشعبيته في محاولة لتوحيد الطائفة الشيعية في بلد ما زال يعاني من الاحقاد الطائفية. وتظهر صوره في ملصقات عملاقة مثبتة في كل انحاء مدينة الصدر الشيعية، مدينة صدام سابقا حيث كانت الشرطة البعثية تزرع الرعب والتي اطلق عليها فور سقوط النظام عام 2003 اسم والد مقتدى محمد الصادق الصدر الذي كان يدعو الى تيار شيعي سياسي يحمل اليوم اسمه: التيار الصدري. وامر صدام حسين باعدام محمد الصادق الصدر مع ابنيه في 18 من شباط فبراير 1999 بعد ان امر بتصفية شقيقه وعم مقتدى السيد محمد باقر الصدر المفكر الشيعي البارز في نيسان ابريل 1980. ورغم صغر سنه استمد مقتدى الصدر قوته من تلك السلالة ومن تقاليد الاستشهاد والتضحية. وينظر الشيعة الى مقتل والد واشقاء وعم مقتدى الصدر، في منظور تقليد الاستشهاد في تاريخ الشيعة الذي بدأ قبل اربعة عشر قرنا. وليس من باب الصدفة ان يعمد مقتدى، كما فعل والده من قبله، الى اتخاذ مسجد الكوفة في جنوبالعراق مركزا له حيث اغتيل الامام علي بن ابي طالب عام 661 ميلادي في ذلك المسجد.