عندما اجتاح الجيش الأميركي العراق في آذار مارس عام 2003، لم يكن الضباط والجنود الأميركييون الذين يتقدمون باتجاه بغداد يعرفون اسم"مقتدى الصدر"، إلا أن هذا الواقع سرعان ما تغير، إذ أصبح هذا الزعيم الشيعي الشاب أحد أبرز قادة العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين. وبرز مقتدى الصدر الثلاثيني فجأة في واجهة الاحداث فور سقوط النظام في نيسان أبريل عام 2003، وتولى منذ ذلك الحين قيادة تمردين ضد القوات الاميركية في نيسان وآب اغسطس عام 2004. وتفيد تقديرات متفاوتة أن"جيش المهدي"الذي أعلن الصدر تأسيسه بعيد سقوط بغداد في أيدي قوات التحالف، يضم بين عشرة آلاف وستين ألف عنصر. كما يتمتع مقتدى بشعبية واسعة ورث معظمها عن والده محمد صادق الصدر الذي ترك مقتله مع اثنين من ابنائه عام 1999، في عهد صدام حسين تأثيراً كبيراً على تفكيره. لكن معارضته الوجود الأميركي جعلت منه رمزاً داخل الطائفة الشيعية، في وقت يطالب"الائتلاف العراقي الموحد"الشيعي الحاكم ببقاء القوات الاميركية حتى استقرار الاوضاع في البلاد. ويحظى مقتدى الصدر بتأييد الفئات الشيعية المهمشة اجتماعياً، حتى أن مجموعة الأزمات الدولية ذكرت في تقرير لها العام الماضي أن مقتدى"بات المتحدث الحقيقي باسم جزء كبير من العراقيين بقي مهمشاً حتى بعد سقوط نظام صدام حسين". وكان هذا الزعيم الشيعي توارى عن الانظار خلال الفترة الممتدة من تشرين الأول أكتوبر الماضي حتى أيار مايو قبيل بدء خطة"فرض القانون"في بغداد. وعلى رغم اختفائه، أثبت الصدر أن في امكانه حشد المؤيدين والتأثير في مجريات العملية السياسية سلباً وايجاباً. ويُتهم"جيش المهدي"بالتورط في أعمال عنف طائفية ضد العرب السنة في بغداد، وخصوصاً في عمليات خطف وتجاوزات وتعذيب وقتل. وكان تقرير لوزارة الدفاع الاميركية أعلن أواخر العام الماضي أن"جيش المهدي"هو"المجموعة الأكثر تأثيراً سلبياً على الاوضاع الأمنية في العراق". وفي الساحة السياسية، يشغل التيار الصدري 32 مقعداً من أصل 275 في البرلمان ويُشكل أبرز مكونات"الائتلاف"الشيعي 130 نائباً. واعتراضاً منه على التعاون بين السلطة العراقية والقوات الاميركية، أوعز الصدر الى وزرائه الستة بالانسحاب من حكومة نوري المالكي منتصف نيسان الماضي. ومقتدى الصدر الذي لم يبلغ حتى الآن رتبة"مجتهد"، عنيد، وفقاً لقريبين منه. وكان النظام السابق يفرض النظام بترهيب السكان في"مدينة صدام"التي حملت اثر سقوط صدام حسين اسم والد الصدر، آية الله محمد صادق الصدر، وهو مؤسس تيار شيعي سياسي تحول لاحقاً في عهد ابنه الى"التيار الصدري". وصدام حاول شراء ولاء آية الله محمد صادق الصدر بعد هزيمته في الكويت والمجازر التي ارتكبها في حق الشيعة اثر انتفاضتهم في جنوبالعراق، فسعى الى تعزيز حكمه عبر جمع تأييد رجال الدين، إلا أن جهوده هذه ذهبت سدى، ما دفعه الى اغتيال الصدر مع اثنين من أبنائه في 18 شباط فبراير عام 1999. وكان صدام أمر أيضاً في نيسان عام 1980 بتصفية عم مقتدى، المفكر الشيعي الكبير محمد باقر الصدر. وعلى رغم صغر سنه، مقتدى يستقي قوته من هذه السلالة التي اعتادت تقديم التضحيات. ويشبه الشيعة كثيراً مقتل والد مقتدى الصدر بحدث الاستشهاد الاهم في التاريخ الشيعي الذي حصل قبل أربعة عشر قرناً. وليس من باب الصدفة أن يعمد مقتدى، كما فعل والده من قبله، الى اتخاذ مسجد الكوفة في جنوبالعراق مركزاً له. ففي هذا المسجد، اغتيل الامام علي عام 661. إلا أن سمعة"جيش المهدي"الموالي للصدر، شرعت تهتز منذ أشهر بسبب شن عناصر تابعة له حملات تطهير مذهبي في حق سنة العراق، ودخولهم في معارك دموية مع ميليشيات شيعية منافسة. كما جرى التشكيك في سيطرة مقتدى الصدر على ميليشياه خلال الاشتباكات العنيفة التي دارت الاربعاء الماضي في مدينة كربلاء، ما أسفر عن سقوط أكثر من 50 قتيلاً. ومن أجل المحافظة على ارث عائلته وعدم تعريض مستقبله السياسي للخطر، عمد هذا الزعيم الشاب الى الامساك بزمام الامور عبر تجميد نشاطات"جيش المهدي".