إعادة نسج علاقة سليمة بين لبنان وسورية هو مطلب جميع اللبنانيين، وإطلاق وتفعيل التعاون المتكافئ والندي بين مختلف المؤسسات في كل من البلدين هو الدرب الصحيح للوصول إلى هذا الهدف، والتقارب والتنسيق السياسي والإقتصادي والإجتماعي والأمني بين القيادات والفاعليات في البلدين سيضفي صفة"المميزة"على العلاقة بينهما، خصوصاً إذا تم ضمن إطار الإحترام المتبادل والمطلق للسيادة والإستقلال والإستقرار والأمن. ندرك أن هناك حاجة لبنانية لسورية وحاجة سورية للبنان، فسياسة الهيمنة العسكرية السورية التي دامت 29 سنة، كانت لها آثار كارثية على لبنان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، ولاحقاً حالة العداء والجفاء بين البلدين، والتي أعقبت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن ثم انسحاب الجيش السوري من لبنان، كان لها أيضاً الأثر السلبي الكبير الذي انعكست نتائجه على البلدين معاً، لكن على لبنان بنسبة أعلى، إذاً من هذا المنطلق فإن أي مجهود يمكن أن يساهم ويساعد في طي صفحة الماضي وبلسمة الجراح وفي فتح صفحة جديدة لا تشبه الماضي سيصب تلقائياً في خانة المصالح المشتركة ويسرع في عملية نسج العلاقة السليمة بين البلدين. زيارة ميشال عون إلى دمشق هي إنهاء لعلاقة سلبية بينه وبين سورية وفتح صفحة جديدة معها مبنية على القبول والإحترام المتبادل، لا أكثر ولا أقل، وهي بكل تأكيد خطوة جيدة جداً وستساهم إيجاباً في دفع العلاقة اللبنانية - السورية نحو الأمام وتعزيزها أكثر فأكثر، ولكن تعقيباً على ما رافق هذا الحدث... فالنائب عون ومن ورائه فريق 8 آذار، بالغ جداً في المغالاة في شأن هذه الخطوة، وفي المقابل شن فريق 14 آذار هجوماً ساذجاً غير مفهوم على هذه الزيارة وساهم بتضخيم مفاعيلها السلبية إلى حدود مبالغ بها كثيراً لدرجة تشبيهها بزيارة السادات للقدس عام 1977. وسورية أيضاً ارتكبت خطأً بتحضير استقبال سياسي وشعبي كبير جداً لزيارة عون"الطويلة"مع إضفاء الصبغة الدينية القوية على برنامج الزيارة وكأنها تتعمد إختزال التمثيل المسيحي السياسي والديني في لبنان بشخص ميشال عون. كان من الأفضل لو التزم عون ومعه تجمع 8 آذار معاني الأدبيات السياسية وابتعدوا عن التكبر والغرور المغشوش. وكان من الأفضل لو اعتمد تجمع 14 آذار الموضوعية والحجة والمنطق في إطلاق المواقف السياسية، وبالتالي كان من الأفضل للطرفين التزام معاني ما نص عليه اتفاق الدوحة والابتعاد عن الفرعنة السياسية التي توحي وكأن الهدف منها هو العمل على تعقيد وتأزيم الأمور وإعادة تييئس الناس وكأنهم نادمون على إبرامهم هذا الاتفاق ويسعون لنسفه، وكان من الأفضل لسورية أيضاً لو أعطت استقبال عون حجماً يليق به كرئيس لتيار سياسي لبناني أساسي وليس كشخصية لبنانية سياسية مسيحية تفوق رئاسة الجمهورية أهمية وتتجاوز البطريركية المارونية مكانةً. وطننا يفتقر حالياً وبشدة إلى أداء سياسي حضاري، هادئ، أخلاقي، منطقي وموضوعي، وهذا لا يبشر أبداً بالخير في المرحلة التي تسبق الإنتخابات النيابية حيث أن مفردات التهديد والتخوين والتحذير وحتى الإسفاف عادت إلى الظهور وبقوة، فتجمع 8 آذار يؤكد بأن نجاح تجمع 14 آذار في الإنتخابات هو انتصار لأميركا ولإسرائيل وبناءً عليه سيتخذ الإجراءات والخطوات الضرورية التي يراها مناسبة لمواجهة ذلك. وتجمع 14 آذار بدوره يبشر من أن نجاح 8 آذار هو نصر لإيران ولسورية وبمثابة ضمانة لعودة حكم الإستخبارات السورية إلى لبنان، ويحذر من أنه لن يسمح بحصول ذلك أبداً مهما بلغت التكاليف! أي أن الطرفين غير مستعدين للخسارة وتقبل فوز الطرف الآخر بأي شكل من الأشكال، وكل منهما يحاول إظهار ثقة كاذبة لجمهوره فيدعي أن المعركة محسومة سلفاً لمصلحته وأنه هو الذي يمثل أكثرية هذا الشعب، وهذا مثير للشفقة، مع العلم بأن أحداً منهما لن يحصد أي أكثرية نيابية، وعلى الأرجح، سيكون هناك دخول لنواب جدد مستقلين يمثلون شرائح مستاءة جداً من الطرفين. للأسف ليست لدينا حالياً سوى - وفي شكل طاغ - حالة من التشرذم والضياع وعدم الاتزان السياسي وجزئياً الأخلاقي مع فقدان شبه كلي لمعاني الديموقراطية والحرية واحترام الآخر ومصلحة الشعب. ولكن، إذا استدرك القادة السياسيون خطورة هذا المنحى الكارثي الذي يتنهجونه وعمدوا إلى تصحيحه وتقويمه، فعندها قد يكون هناك أمل بخوض معركة انتخابات نزيهة حضارية ديموقراطية تفضي إلى ولادة جديدة للبنان كوطن واحد للجميع. أيمن شحادة - بريد إلكتروني