لم تعد الملابس عموماً كما كانت عندما أنزلها الله لباساً يواري سوءة بني آدم، بل تطورت بتطور الإنسان وعقليته وبيئته، ومضت تتأثر بضعفه وقوته وعزته ووهنه، وحتى في ظروف عمله وتفاصيل يومه. وقد يبحث الإنسان عن حريته في ما يرتدي وما لا يرتدي، وفي السعودية، وجه من أوجه تمثيل هذه الحرية في طريقة خاصة، دخلت عليها أنواع وأساليب، باتت تقرّب السعوديين في ملبسهم من بقية سكان هذه"القرية العالمية الصغيرة". فهد وعمر وعبدالله ونايف شبان سعوديون يشكّلون نموذجاً للجيل الجديد. وهم من قاطني المناطق الساحلية والحدودية، ويختلفون قليلاً عن سكان المناطق الداخلية، حيث لا يزال الزي السعودي الرسمي غالباً إلى حد ما. ولهم في ما يرتدون مذاهب، فالزي الرسمي للعمل خلال أيام الأسبوع من السبت إلى الأربعاء. وإذا اضطرت أحدَهم طبيعة عمله إلى الحضور خلال الإجازة الأسبوعية، فالبنطلون والقميص خياره الأكيد لقضاء يوم الدوام، ربما"للتحرر من قيود العمل ورسميته نوعاً ما"، كما يقول عمر. وبالطبع، ما سبق لا ينسحب على المشتغلين في الوظائف الحكومية، فهؤلاء يُطالَبون بارتداء الزي الرسمي بقرار حكومي، ويعتبر ارتداء غيره مخالفة للقوانين. حتى أن الدولة تمنع مُراجِعي إداراتها"الرسمية"من السعوديين دخولها، ما لم يكونوا مرتدين الثوب والشماغ والعقال. إلاّ أن هذا الأمر يتأثّر بمدى صرامة مدير الإدارة في تطبيق القوانين. هذا التغيير في الحياة اليومية يتحول إلى هوس في المناسبات الاجتماعية والرسمية، وقد يعود القرار إلى نوع المناسبة، لكن الهوس واحد. فتجد حشود الرجال يتوافدون إلى محال الخياطة المنتشرة في الشوارع الرئيسة وحول المجمعات التجارية والأسواق، وتبدأ رحلة بحث دقيقة عن نوع القماش ومكان الخياط وجنسيته ومدى شهرته، وغيرها من المواصفات التي يجب توافرها في المحل المستهدف. وقبل هذه المناسبات بمدة طويلة، تبدأ الشركات والمؤسسات والمستثمرون في الملابس الرجالية الاستعداد لتحقيق أعلى المبيعات من الملابس الرجالية، في وقت قدر خبراء حجم سوق الملابس بأكثر من بليوني ريال. وكان مستثمرون أشاروا إلى أن هذه السوق حققت خلال فترة عيد الفطر الماضي أكثر من 600 مليون ريال. يقول فهد:"لا بد من الاستعداد للمناسبات قبل حلولها بوقت كافٍ، خصوصاً أن المحل الذي أخيط فيه ملابسي"الرسمية"، يتوقّف عن استقبال الطلبات قبل المناسبات العامة بأكثر من شهر عادة، نظراً إلى الإقبال الشديد الذي يلاقيه". وبحسب عمر، يمكن أن تتعقد المسألة أكثر، كأن يكون اليوم الأول من مناسبات الأعياد للزي الوطني، ومن ثم يحتل الزي الغربي بقية الأيام. أو يكون صباح اليوم لنوعية من الملابس ومساؤه لنوعية أخرى،"أرتدي الثوب والشماغ عندما يفد الضيوف إلى منزل والدي في المناسبات، ولكنني استبدلها بالجينز والقميص مساءً، إذ ان هذا الوقت مخصص لي ولرفاقي، نسهر فيه ونلهو، متخلصين من قيود الرسميات". ويوضح حاتم العقيل، وهو مصمم أزياء رجالية سعودي ومالك بوتيك في جدة، أن الموضة تدخل في كل تفاصيل الحياة، وتنسحب على الثياب السعودية، مشيراً إلى أنه يمزج في تصاميمه بين المحافَظة على القالب التقليدي للزي السعودي، مع لمسات غربية وحديثه، مسايرة للموضة. ويؤكد أن الإقبال يتزايد على تصاميمه من أبناء هذا الجيل الذين يهتمون بأن يظهروا في شكل جميل ومميز في أماكن العمل والمناسبات العامة. ويلفت العقيل، الذي انتهى أخيراًً من عرض أزياء رجالية خليجية في مدينة دبي، إلى أن من آخر أعماله التي لاقت رواجاً كبيراً بين فئة الشبان، هو ثوب مقدم على شكل قميص غربي ولكن بطريقة مبتكرة تمزج النمطين الشرقي والغربي، في قالب أنيق،"أجد اليوم أن المجال مفتوح للمحافظة على الزي السعودي التقليدي، مع تطويره وتحديثه بما يتماشى مع مستجدات الموضة العالمية، وهذا بات يلاقي رواجاً كبيراً لدى السعوديين".