في المرة الأولى، توليت رئاسة الوزارة ولي من العمر 35 عاماً. ولم يسبق لي، يومها،أن توليت عملاً حكومياً. وكنت أجهل كل شيء عن عمل الإدارة. وجئت من خارج الحكم والإدارة، ولا دالة لي عليهما أو فيهما. وليست هذه حالي اليوم. ففي 1990 و1996، عمدت القوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات الى إسقاطي وإخراجي من الحكم. وأنا تعلمت من التجربة هذه، فإنما أعلم علم اليقين أنه لن يسعني فعل شيء من غير إصلاح هيئاتنا ومؤسساتنا إصلاحاً يتيح للشعب، حقيقة، أن يختار الحاكمين من غير تدخل الأجهزة. وعندما كان والدي، ذو الفقار علي بوتو، رئيس الوزراء، كان يقتضي إسقاط الحكومة اقتراعاً من البرلمان. وعندما أجيز لرئيس، يمسك الجيش بمقدراته ويتحكم فيها، إقالة رئيس الوزراء، أدخلت الدودة الفاسدة في الثمرة. وعلى هذا، فالمهمة الأولى والملزمة هي تعديل دستورنا على نحو يخلصنا من الاضطرابات والعثرات التي وسمت التسعينات بميسمها. وهذه المسألة كانت في قلب مناقشاتي، العام الماضي، مع الجنرال برويز مشرف. وأنا قبلت مناقشة مشرف، وذلك بعد اتصاله هو وليس بعد اتصال وزير الخارجية البريطاني على ما أشيع، على أمل الاتفاق على"خريطة طريق"تمكننا من الانتقال الآمن من الديكتاتورية الى الديموقراطية، وتتيح للمعتدلين التنسيق المشترك بمنأى عن تهديد المتطرفين وخطرهم. وعندما قبلت مفاوضة مشرف، لم أكن أعرف إذا كانت المفاوضة قد تنتهي الى النجاح أو الى الفشل. ولكنني قلت أن المحاولة ليست عبثاً. فأنا على رأس حركة مسلحة، ولا أمارس الحرب، بل أنا على راس حركة سياسية غايتها الأولى هي إعادة الديموقراطية. فلم يكن من المنطق السوي في شيء أن أرفض المفاوضة والمناقشة. ولا أريد أن التزم تولي رئاسة الوزارة قبل إجراء الانتخابات. فالانتخابات لم تحصل بعد. والتزم الجنرال مشرف إجراءها من غير قيد وتدخل. ولكننا لا ندري إذا كان قادراً على الوفاء بالتزامه هذا. والخطوات التالية رهن إجراء الانتخابات، وطريقة إجرائها. وفي وقت أول فكرت في مقاطعة الانتخابات، وقلبت النظر في الأمرين، المقاطعة والمشاركة. وحملني قادة حزبي وناشطوه على المشاركة. فنحن قلنا أن ميلنا الى الكرسي الفارغة لن يؤدي إلا الى انتصار أنصار الجنرال مشرف من غير حاجة الى التزوير. وعلى هذا، فخير المواقف وأجداها هو المشاركة في الانتخابات، واختبار العهود والالتزامات. وفي ضوء سياسة النظام، نحسم رأينا. وأنا عند رأيي في الإرهاب والحرب عليه. فالإرهاب شر مطلق. وهو يفسد باكستان على نحو وقدر ما ينزل الفساد في العالم كله. ولا أرى لماذا التزام الحرب على الإرهاب هو تواطؤ مع الأميركيين ومصالحهم دون مصالحنا. فالإرهاب يقتل ويعيث الفساد والاضطراب هنا، بباكستان. وهو يردي نساءنا وأطفالنا وجنودنا. والباكستانيون لا يجهلون هذا. ويزعم أنصار الديكتاتورية أن الحرب التي تخوضها على الإرهاب ليست حربنا في سبيل تسويغ عجزهم عن قتال الإرهاب. وهم لم يقعوا على حجة عقلانية غير هذه، فيقولون: إن حربنا فاشلة لأن الرأي العام غير مقتنع بأن الحرب هذه هي حربنا! وهذا كذب، وتواطؤ مع الإرهاب، مقصود أو غير مقصود. ولكن ما لا شك فيه هو أن شطراً كبيراً من الرأي العام الباكستاني مناوئ لأميركا وللغرب. وغذى هذا الرأي، عاماً بعد عام، مساندة الولاياتالمتحدة والبلدان الغربية الديكتاتوريات العسكرية بباكستان. ففي بلدنا خلافان كبيران: الأول بين الديموقراطيين وبين أنصار الديكتاتورية، والثاني بين المعتدلين وبين المتطرفين. وينبغي ألا تفهم مناوأة الولاياتالمتحدة مساندة للمتطرفين، على رغم أنهم المنتفعون الأوائل من المناوأة هذه. فالرأي العام لا يرضى أن تؤيد الولاياتالمتحدة، وهي داعية الديموقراطية بالعراق وأفغانستان، نظاماً باكستانياً ينكر استقلال القضاة، ويعتقل المعارضين والمحامين. وهذا النظام يغذي، بدوره، حلقة مفرغة. فهو ينفخ في الإرهاب، ويغذيه، ويتذرع به الى تسويغ بقائه ودوامه. فما هو مصير الملايين العشرة من الدولارات التي تسددها واشنطن الى العسكريين في سبيل القبض على بن لادن، إذا قبضوا عليه فعلاً؟ وأنا آمل في ألا تقيَّد مساعدة باكستان بالحرب على الإرهاب، وأوثر أن تلتزم المساعدة هذه جزءاً من خطة مديدة ترمي الى استقرار باكستان وأفغانستان، على مثال مشروع مارشال بأوروبا غداة الحرب الثانية. والحق أن مساندة الغربيين الأنظمة العسكرية الباكستانية سياسة قصيرة النظر فالغربيون يتذرعون بهشاشة مؤسساتنا، وضعف أحزابنا السياسية وانقساماتها. ويحسبون أن القرار العسكري واحد ونافذ. وهذا وهم. والعسكريون تورطوا مع طالبان بعد أن عقد هؤلاء حلفاً مع"القاعدة"، على خلاف الحال عندما كنت رئيسة الوزراء، قبل 1998. وأنا على يقين من محاولة اغتيالي بكراتشي، وأودى بعشرات الضحايا، ما كان ممكناً لولا تواطؤ جزء من جهاز الدولة. واليوم، بلدي كله يتعرض للخطر المميت. والمدارس القرآنية المتطرفة الأولى ظهرت عندما كنت على رأس الحكومة. ومذ ذاك تردت الأحوال كثيراً. ويتهدد باكستان خطر محقق وجدي. وأنا خائفة على مستقبل وطني، ومعركتنا الآتية ضارية. عن بينظير بوتو في آخر مقابلة صحافية، قبل اغتيالها بساعات، مع دومينيك لاغارد،"لكسبريس"الفرنسية، 3/1/2008