يجد الرئيس برويز مشرّف نفسه، مجدداً، في قلب العاصفة، وفي خندق الحرب الأمامي. فمنذ الحادي عشر من أيلول سبتمبر، يعود الفضل في نجاة الجنرال مشرّف الى انتهاجه سياسة"اللعب على الحبلين". فهو انصاع للضغوط الغربية، وحارب"القاعدة"ومؤيديها الباكستانيين، وتحالف مع الأحزاب الإسلامية لتهدئة المتشددين. وفي الآونة الاخيرة، كانت الاوضاع مضطربة بباكستان. ولكن الجنرال مشرّف حافظ على العلاقة القائمة منذ ثلاثة عقود بين الجيش والمتطرفين. وأسهمت هذه العلاقات في بقائه في سدة الحكم وقيادة الجيش، وفي التقاط"القاعدة"أنفاسها. ف"القاعدة"وجدت ملاذاً آمناً في المناطق القبلية الباكستانية، ولجأ قياديو"طالبان"الأفغان الى محافظة بلوشستان. ولم يجد المتطرفون الأجانب، على غرار مخططي تفجيرات لندن في 2005، صعوبة في الاتصال ب"القاعدة"وفي بلوغ معقلها. وفي السنوات الماضية، ازدهرت الجماعات المتطرفة. وخاب أمل الولاياتالمتحدة وقوات حلف شمال الاطلسي،"الناتو"، وهذه تحارب"طالبان"بأفغانستان، في الجنرال مشرّف. ولا ريب في ان سياسة الرئيس مشرف المزدوجة شارفت على النهاية. ورأى المتطرفون الباكستانيون، مثل أولئك الذين اختبأوا في المسجد الأحمر، أن الجيش تقاعس عن ملاحقتهم، وأذن لهم بتحدي الدولة، وبإقامة سلطة ثوروية إسلامية. واستولى أنصار طالبان من الباكستانيين، على مناطق شاسعة في مقاطعة الشمال الغربي، وأنشأوا"قاعدة"جديدة"للجهاد العالمي". وعندما أردى الجيش مقاتلي المسجد الأحمر وعدداً من المتطرفين الباكستانيين، دونت"القاعدة"الجنرال مشرّف على لائحة مطلوبيها. والحق ان مشرف أمام مفترق طرق، وعليه الاختيار بين القضاء على المتطرفين أو التساهل معهم والسعي الى تحسين علاقاته بهم. وفي حال اختار مشرف المسار الأول، احتاج الى تفويض سياسي جديد ودعم سياسيي الأحزاب العلمانية، مثل"حزب الشعب"بقيادة بنازير بوتو. ولكن إبرام مشرف صفقة مع بوتو يفترض اجراء انتخابات حرة وعادلة قبل نهاية السنة. وتوسع مثل الانتخابات الحرة هذه فسحة حرية تمنح القضاء والصحافة هامشاً أكبر، وتطوي احتكار مشرف السلطة، وتجبره على تقاسمها مع غيره من السياسيين. وهذا ما لا يحبذه الجنرال مشرف. وقد يعقد الجنرال مشرّف والجيش صفقات مثيرة للجدل مع"طالبان"الباكستانية في المقاطعة الشمالية الغربية. ومن شأن هكذا اتفاق تعريض مستقبل أفغانستان للخطر، واطلاق يد"طالبان"الأفغانية هناك، ومضاعفة أعداد مدارس المناضلين. وتفترض هذه الصفقات مع الاسلاميين الكف عن التظاهر بمراعاة الديموقراطية، وفرض الأحكام العرفية والابتعاد من الغرب. وعلى السياسيين الباكستانيين الليبراليين التحلي بالحكمة، وحض مشرف على اختيار الديموقراطية. وعلى القوى الغربية الحرص على قيام مشرف بالخيارات الصحيحة. فعلى رغم المخاطر التي تحفه، يبقى المسار الاول السبيل الوحيد لإنقاذ باكستان من مصير أفغانستان والعراق. عن أحمد رشيد، "دايلي تيليغراف" البريطانية ، 13/7/2007