السفر على اجنحة الطيور الى فضاء المتخيل طيور تؤنس وحشة الأمكنة. هو دعوة إلى تأمل المخلوقات الطائرة المسالمة، في ترحالها حين تجوب أطراف السماء، متحررة من القيود والحدود والجغرافيا. وما بين الأرض والفضاء، ينفتح العالم على المرئيات وكذلك على مرايا الأزمنة والرموز والحضارات القديمة. الطيور التي تملأ صالة جانين ربيز هي جديد الفنانة التشكيلية منى باسيلي صحناوي الذي يتألف من مجموعة قوامها 44 لوحة زيتية ورسماً على ورق وسجاديات تندرج ضمن عنوان"اليوم الخامس". الطير هو موضوع أثير في تجارب الرسامة التي اعتادت ان تؤنس به وحشة الأمكنة المغلقة على أسرارها الصغيرة. يتجلى في أعمالها الأخيرة في نوع من الاسترجاعية البصرية للموروثات التزيينية والزخرفية التي تعود بنا الى عمق الزمن: بدءاً من تصاوير الطيور في حضارة مصر الفرعونية الى الأيقونات والموزاييك البيزنطي انتقالاً الى موزاييك العصر الهلليني وحضوره على السجاديات والمنمنمات الفارسية. فالرسامة لمحت إلى حضور هذه المفردة في الديانات الشرقية لا سيما في المسيحية والإسلام. حمائم السلام تظهر منفذة على سجاديات في مشغل عرسال توحي بدفء الألوان الأرضية، تتقاطع أحياناً مع غيوم رمادية وشرائط من سحابات سود، تتراءى وهي تحمل أغصان الزيتون رمز السلام على الأرض. وقفة في عمر الزمن مع مخلفات من ذاكرة الإنسان يختصرها العصفور كرمز للهجرة والاكتشاف. فالفنانة متعددة الإقامة. انها لبنانية من مواليد الاسكندرية العام 1945، درست الفن في الاسكندرية ثم تابعت تحصيلها العالي في الجامعة الأميركية في بيروت ثم في الولاياتالمتحدة الأميركية. لها معارض ونشاطات ثقافية في لبنان وباريس تعود الى السبعينات من القرن الفائت وأبرز أعمالها في التسعينات الألبوم الذي يحتوي مجموعة محفورات تتناول الحضارة الفينيقية اسطورة قدموس وعشتروت. بأسلوب تبسيطي يعتمد على الاختصار الخطي أحياناً وعلى التزويق النباتي والهندسي طوراً، تبحث منى باسيلي صحناوي عن اجتهادات واسقاطات حديثة لعناصر من التراث القديم. تتناول انواعاً من الطيور كالطاووس في جنائن متخيلة، والعصافير المتعانقة أو المتدابرة، في توظيف للمساحة التي تنبسط عليها الزخارف النباتية والهندسية وكأنها مفروشة أمام العين. فالتسطيح يتجلى في اشتغالها على بعدٍ واحد، حيث تضع الألوان والأشكال بما يوحي للناظر بأنه أمام سجادية حديثة أو منمنمة أو قطعة قيشاني معرّقة بالأزرق النيلي. فالطير كرمز للسلام يشغل حيزاً من الأعمال التي تدور حول تنويعات لمفردة واحدة. وفي بعض الثلاثيات تنقل الرسامة المراحل الثلاث للطير حيث تبرز الحركة الدائرية للأجنحة في الفراغ. لدى الرسامة أسلوبها التزييني النمطي الخاص في رؤية العناصر والكائنات وكيفية التعبير عنها. فالأسلبة تحتزل شكل الطير كي يغدو بصمة تتكرر على غير وجهة من التأويل والتوليف والتكوين الخطوطي واللوني. وكأن هاجسها هو استيحاء التخطيطات التي تنطوي عليها القطع الأثرية المعروضة في متاحف الشرق ولا سيما الفنون الاسلامية، وذلك في حلة لونية زاهية واقتراحات جمالية نابعة من التناقضات اللونية الحارة. ومقابل الزهو اللوني تنحو الرسامة في مجموعة من الأعمال الى اعتماد لونين في التجسيد الغرافيكي لحركة الطيور، فتدرسها من الرأس الى الذيل، كنماذج حية في سلوكياتها المفاجئة سواء كانت مؤطرة داخل مربعات كما لو أنها في أقفاص افتراضية، أو تلتقطها في الطبيعة على شجرة، فتراقب التفاف كل حركة وتناغماتها في اللحظة التي تحط فيها الطيور أو تتفرق في فراغ اللوحة. وقد يتلبس الطير معاني ضمنية أخرى كأن تتحول راحة اليد طيراً، أو تتناوب الاستدارات التي تشكل جسم الطيور مع قرص شمس المغيب، أو تحط كالرجاء على أيدي الدراويش، فيغدو الدرويش في حال الرقص شبيهاً بالطير، لأنه هو ايضاً يربط في ارتقائه الروحي بين الأرض والسماء.