لا يعتبر التعريب وحتى التدويل من السوابق في تاريخ لبنان السياسي المعاصر، فالعديد من محطات النزاع الداخلي ذات الطابع الخارجي أخذت طريقها الى الخارج قبل الداخل، باعتبار ان التداخل كان واضحاً، والحل كان في معظم محطاته خارجياً، بوجه عربي ومضمون دولي وإقليمي. وإذا كان الأمر يبدو بهذه البساطة اعتيادياً لدى اللبنانيين ومن يتعاطى بحل مشاكلهم، فما هو واقع التدويل في القانون الدولي؟ وهل ثمة صيغة يمكن الاعتداد بها لتدويل الانتخابات الرئاسية ووفقاً لأي إجراء؟ وهل يمكن إرغام النواب اللبنانيين على الانتخاب؟ وما هي حدود الضغوط التي يمكن ان يمارسها مجلس الأمن لتنفيذ قرار ما في حال اتخاذه؟ وما هي تداعياته المحتملة؟ إذا كان احد مقاصد الأممالمتحدة وكذلك المنظمات الإقليمية ومنها جامعة الدول العربية توفير الحلول السلمية للنزاعات التي يمكن ان تنشأ بين الدول، فمن الطبيعي القول ان تدويل الأزمات يبدو قانونياً وشرعياً، غير اننا نتكلم عن النزاعات ذات الطابع الإقليمي أو الدولي، ولكن ليس الداخلي أو المحلي، وعلى رغم التوصيف والتكييف القانوني لهذه الأخيرة، ليس ثمة ما يبعد هذا الاحتمال واللجوء إليه، على قاعدة ان كثيراً من النزاعات الداخلية في الدول أثرت على محيطها الإقليمي وهددت السلم والأمن الدوليين ما استدعى مجلس الأمن التدخل حتى قسراً لإيجاد الحلول المناسبة. بيد ان، في هذا السياق تحديداً، من النادر تسجيل حالات لافتة يمكن اعتبارها سوابق والاتكاء عليها في معرض البحث عن الحلول القانونية. وفي هذا الإطار يمكن تسجيل عدد من الملاحظات أبرزها: - لا سوابق لمجلس الأمن الدولي ان اتخذ قرارات في شأن انتخابات داخلية لدولة ما، إلا ان يمكن تسجيل بعض الحالات التي أصدر فيها بيانات شجعت أو دعت الى إجراء انتخابات، والأمثلة عن تدخل المجلس قليلة، إذ أبدى في عام 2005"تشجيعاً"لإجراء الانتخابات في غينيا عبر بيان وليس عبر قرار. ودعا المجلس اخيراً الى بذل"جهود اضافية"لإجراء الانتخابات في ساحل العاج في حزيران 2008. حتى التدخل الدولي في الانتخابات في افغانستان كان في بيان رئاسي، وبالتالي لم يسبق ان صدر قرار في هذا الشأن باستثناء القرار 1559 الذي صدر عام 2004 وكان لافتاً في تعابيره. قضية تدويل الأزمة اللبنانية وبالتالي الانتخابات الرئاسية ليست امراً جديداً، فلبنان وضع على سكة التدويل امنياً وقضائياً وسياسياً منذ عام 2004 تاريخ صدور القرار 1559، ومن ثم تتابعت القرارات لتشكل بيئة قانونية من الصعب الإفلات منها بسهولة. أما الجديد في هذه القضية ما أعلنه وزير خارجية فرنسا والرئيس المصري من ان فشل جهود الجامعة العربية سيحيل الموضوع الى مجلس الأمن للنظر فيه. اما على الصعيد القانوني فيمكن لمجلس الأمن التدخل وفقاً لمنطوق المادة 24 من الميثاق الأممي على قاعدة وجوب حفظ الأمن والسلم الدوليين، إذ ذاك سيعتبر مجلس الأمن ان الأزمة الداخلية اللبنانية والرئاسية تحديداً وما لها من تداعيات ستشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، إذ سبق للأمم المتحدة وتحديداً للجمعية العامة ان اتخذت قراراً تحت صلاحياتها"الاتحاد من اجل السلام"في عام 1958 وتدخلت في الشأن الداخلي اللبناني ذات الأبعاد الخارجية آنذاك. وإذا كان الأمر ممكناً من الناحية الواقعية فما هي الإجراءات القانونية التي يمكن لمجلس الأمن اللجوء إليها في هذه الحالة؟ ثمة ثلاث احتمالات وهي اولاً استصدار بيان رئاسي وهو الأقرب الى التطبيق في المرحلة الأولى إذا اتخذت الأمور طابعاً تصعيدياً تدريجياً وبوقت ليس بقصير، وسبق لمجلس الأمن ان لجأ لهذه الحالات كما أسلفنا حالتا غينياوساحل العاج إذ بهذه الطريقة يتفادى مجلس الأمن ما يمكن ان ينشأ من خلافات بين الدول الكبرى لتفادي حق النقض الفيتو. اما الخيار الثاني فهو إصدار قرار جديد وفقاً للفصل السادس يذكر بقراره السابق 1559 لا سيما البند الذي يشير الى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية وفقاً للأصول الدستورية. أما الاحتمال الثالث فيمكن لمجلس الأمن ان يصعّد قراره الى الفصل السابع مؤكداً الأمر عينه لجهة وجوب إجراء الانتخابات الرئاسية، ويمكن ان يتضمن القرار إنذاراً لمختلف الدول الأخرى، لتسهيل عملية الانتخاب تحت طائلة الإجراءات العقابية. وفي هذه الحالة الأخيرة، يصبح قرار مجلس الأمن ملزماً ويمكن اعتباره بمثابة إنذار لهذه الدول. وعلى رغم هذه الاحتمالات التي يمكن للمجلس اللجوء إليها، تبقى جميعها غير قابلة للتطبيق بصورة عملية، باعتبار ان الموضوع سياسي لا قانوني على المستوى الدولي ومن الصعب تأمين الإجماع بين الخمسة الكبار في مجلس الأمن وبذلك ان افضل الممكن في حال اللجوء الى خيار التدويل عبر مجلس الأمن هو البيان الرئاسي وحينها يصبح مستوى البيان وقيمته العملية لزوم ما لا يلزم. وبصرف النظر عن صدور بيان أو قرار عن مجلس الأمن ثمة استحالة لإلزام اللبنانيين به وتحديداً الى النواب صاحبي الصلاحية بالانتخاب وبخاصة نواب المعارضة، وفي هذه الحالة من الصعب تصور اتخاذ إجراءات عقابية جماعية ضد الشعب اللبناني باعتباره سيصيب الموالاة والمعارضة في آن معاً، لذا من المحتمل لجوء مجلس الأمن الى اتخاذ قرارات ذات ابعاد عقابية ضد شخصيات في المعارضة، وهذا ما بدأته الولاياتالمتحدة الأميركية اخيراً. تدويل الانتخابات الرئاسية اللبنانية دونه عقبات كثيرة، أولها دولي قبل ان يكون محلياً أو إقليمياً، فمن الصعب الاتفاق على هذا الخيار بين الدول الكبرى، وثانيها لأن عدم اتفاق اللبنانيين حوله سيكون مادة ليست خلافية وحسب بل سبباً لإضرام نار الصراع الداخلي بتوجهات خارجية، اضافة الى ان بعض الأطراف الإقليمية والعربية ليست من مصلحتها عملية التدويل. إن تداعيات التدويل ستكون كبيرة في الاتجاهين الداخلي والخارجي، فالضحية الأولى ستكون القمة العربية، والثانية استحالة إجراء انتخابات رئاسية لبنانية في الوقت المنظور، الثالثة التأكد عملياً وواقعياً بأن لبنان بدأ يبحث عن جمهوريته الثالثة التي بالتأكيد لن تشبه المتداعية حالياً. إن غريب المفارقات في لبنان هو عدم انتخاب مرشح أجمع اللبنانيون عليه، فكيف لو كان هذا الاتفاق غير موجود فماذا سيحصل؟ * أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية.