لا تعتبر المغنية رويدا عطية أن هناك مشكلة في حياتها الفنية إن لجهة الخيارات الغنائية التي قرّرتها، أو لجهة التعامل مع حجم صوتها ومقاييسه وهويته الخاصة. فهي تطلق الأغاني التي تشبه أغاني هذه المغنية أو تلك من دون أي تعديل أو تغيير أو انتباه لما تفعل، وتدفع بصوتها الى سلوك سكّة أو تقمّص هوية هذه المغنية أو تلك، معتقدة أنها صائبة في توجهاتها ومدركة لأبعاد حنجرتها. وبعد أربع سنوات تقريباً من شهرتها العربية المندلعة من برنامج"سوبر ستار"في بدايته الذهبية، لا يجد المتابع الجدّي في نتاجها ما يدل إلى أنها فهمت أو قدّرت امكاناتها الأدائية العالية حقّ قدرها، ولا ما يشير الى انها عرفت كيف تستفيد من الضجة الإعلامية الضخمة التي رافقت ذلك البرنامج التلفزيوني وفرضتها مع زملائها وزميلاتها نجوماً.في أي حال، ليست رويدا عطية الوحيدة من خريجات برامج الهواة الفضائية تعاني هذه المعضلة التي ليس صعباً وصفها بالكأداء. فأغلب مجايليها يرتعون في نقمة مقيمة بإرادتهم وقلة خبرتهم حيناً، ورغماً منهم أحياناً، أي بظروف الانتاج ومزاج الجمهور العربي المتقلّب حالياً بين السيىء والأسوأ، لا بين الجيد والسيىء من الأغاني والكليبات. ولعل مراجعة هادئة لنتاج جيل"السوبر ستار"و"الستار أكاديمي"وكل ما لف لفهما من البرامج المشابهة تقول ان ضياع الشخصية الفنية الخاصة هو السمة الأبرز لديه لأنه جيل لا ينظر الى نفسه وطاقته ويقدّم أغاني متجانسة معها، بل ينظر الى الموضة أو التقليعة الغنائية الرائجة وينخرط فيها حتى ولو سلبته موهبته الحقيقية وبددت قواه الفنية في ما لا طائل تحته من الأغاني والألوان"المفرقعة"الخالية من أي قوة استمرار. رويدا عطية، من ألبومها الأول ألبسوها ثوب نجوى كرم الغنائي تارة، وثوب وردة طوراً. ليس في ذلك الألبوم ما يكشف ان رويدا أو ان الملحنين الذين تعاملوا معها أو أن أحداً تنبه الى خطأ إلباسها ثوباً لغيرها، خصوصاً ان هذا الغير لا يزال حياً يُرزق ألبوماتٍ وحفلات وكليبات ونجاحاً. ثم يبدو ان هناك من تحسّس خطأ هذا الأسلوب فتخلّى عن ثوب نجوى كرم وثوب وردة الجزائرية، وألبسها ثوب صباح. ولا يعني هذا الكلام ان رويدا كانت تدار بالريموت كونترول، تنفذ ولا تعترض، بقدر ما يعني أيضاً أن رويدا كانت تعتقد ان هذا التوجه هو الأسلم والأفضل، وتدافع عنه أحياناً. حتى في ما قبل آخر أغانيها مع الفنان وديع الصافي"هيدا لبنان"كانت لهجة صباح ورنّة صوتها وبعض الحركات الأدائية الشهيرة المسجلة بإسمها، مسيطرة في أداء رويدا. ومع ان هذا النوع من التأثر الفني مُباح ومنطقي في الحياة الغنائية عموماً، إلاّ أن ظهوره بل انفضاحه الى حدود النسخ، يحوّله الى حالة مرضية غير مرئية أحياناً لصاحبها بقدر ما هي مرئية ونافرة لأكثر الآخرين الذين يسمعون بآذانهم لا بأي شيء آخر، وتالياً، فإن امكانات الخروج من التأثر، وهي عملية ضرورية جداً لإثبات الذات الفنية، تصبح معقدة وصعبة، لأن من شبّ على شيء شاب عليه، ولا سيما ان رويدا عطية لم تدخل عالم الغناء بدخولها"سوبر ستار"، بل قبل ذلك بسنوات عدّة، وقد عرفها جمهور السهر وليالي الغناء في سورية جيداً قبل أن تطل فضائياً لتتخرّج وصيفة أولى ل"سوبر ستار"العرب ديانا كرازون التي ضيّعت، هي الأخرى، السبيل الى ذاتها الغنائية الخاصة حتى الآن، كما قلنا في مقالة سابقة. ان تعبير"حتى الآن"معبّر أيضاً عن حالة رويدا عطية لأنه يعكس أن الباب لم يُقفل بعد أمامها لإعادة تجميع طاقتها الصوتية والبحث عن النتاج الذي يفيد في تحديد ملامح شخصيتها الغنائية المتفرّدة. فصوتها المتمكن القوي الناضج المتسع تكاد تقتله الاختيارات الخاطئة ونظرة صاحبته التقليدية اليه!