تقبع غزة منذ فترة تحت ظلام دامس، وذلك في فصلٍ يبدأ مساؤه في وقت مبكر. مذيع قناة "الأقصى" التابعة لپ"حركة حماس"، لم يستطع السيطرة على دموعه التي انهمرت أثناء تغطيته الاوضاع المأسوية التي يشهدها سكان القطاع وسط تعثر وصول الغذاء والدواء. القنوات الرسمية الفلسطينية والعربية لم تغير طابعها. متابعة المذيعين كانت، على رغم تأثر بعضهم في شكلٍ كبير، وپ"شماتة"آخرين أو ربما"استنكارهم"، ملتزمةً بالشكل التقليدي المُصِر على عدمِ التحرك أو إبداء أي انفعالات جسدية، مع صوتٍ روتيني يذكرك في معظم الوقت ببرامج الإهداءات، واستطلاعات الرأي، الخالية من العاطفة. بعض المحطات مر على الخبر مرور الكرام، وفضل التركيز على مواضيع أخرى يراها أكثر أهمية. لكن كان هناك من المحطات من أمضى المساء في استقبال اتصالات المشاهدين والمحللين السياسيين، لإيصال صوتهم إلى العالم. في الوقت ذاته أبدت القنوات الخاصة اهتمامها بالحدث الذي احتل العناوين الرئيسة للنشرات. واستضافت المحللين، وتحدثت مع المواطنين، ونقلت الصور، وحاولت قدر المستطاع أن تكون محايدة، على رغم تأثر عدد منها... من دون أن يتعدى ذلك التوجه العام. وتنقسم المدارس الإعلامية ما بين التزام المذيع بالحياد التام، وعدم إبدائه أي انفعالات أو حتى إيماءات تدل على تأييده أو رفضه حدثاً أو شخصاً معيناً، وبين أن يتصرف في شكل أكثر تلقائية، متأثراً بالحدث ضمن حدود معينة، كي لا تخرج الأمور عن السيطرة، وتتحول الشاشة إلى مكان لتوزيع المجاملات أو الشتائم. والشكل الأخير وجد له مكاناً على الشاشات العربية والعالمية، بعدما فتح الفضاء أبوابه لمحطات ومقدمين يعتمدون هذا الأسلوب تحت مسمى"التواصل الواقعي"بينهم وبين المتابعين. وكثيراً ما وُجهت الملاحظات إلى المذيعين لتأثرهم بحدث معين أو تفاعلهم مع ضيف ما، لكن من سيلوم"المذيع"إذا تحدث عن مأساة شعب في منطقتنا، أو نعى زميلاً توفي في أرض المعركة، أو شخصية عنت له وللمشاهدين الكثير.. في هذه الحال، التأثر مسموح ولا يدخل تحت إطار الانحياز. الأمر الأكثر صعوبة أن تفرض على الضيف الالتزام بالحياد وتسيطر على انفعالاته، بعضهم يتعمد أن يجد الفرصة المناسبة ليخرج ما في صدره وإن كان مخالفاً لموضوع الحلقة، ومخالفاً أيضاً لطلب المقدم بالتزام الصمت، أو إعطاء فرصة الرد للأطراف الأخرى. برامج عدة تعتمد على ضيوف من هذا النوع غالبيتها تبثها قنوات خاصة. الضيوف الحكوميون"رصينون"في أغلب الأحيان، وفي حال خرجوا عن هذه الرصانة فإن المسؤولية تقع على عاتق المذيع في شكل خاص، وفريق العمل الذي لم يتدارك الموقف. المهم أن يلزموا الحياد في النهاية. في بعض البرامج المباشرة يتعمد المشرفون قطع اتصالات تطاول أطرافاً معينة، أو أن يتحدث مراسل تلفزيوني في الشارع مع أحد المواطنين ويُكمِلَ الحديث بحسب مزاجه، متجاهلاً أو متعمداً التحدث على الهواء. والأساس في وضع الحدود التي يجب ألا يتخطاها من يظهرون على الشاشة من مقدمين، أو ضيوف ومشاركين، تتمثل في سياسة المؤسسة الإعلامية وتوجهها العام، والجهة التي تتحدث باسمها، لكن أحداثاً كالتي تعصف بعالمنا العربي كفيلة وبجدارة بإبعادنا عن أي"حياد".