نظرية التدوير حفاظاً على البيئة الإعلامية وتوفيراً للموارد التلفزيونية غير المتجددة لم تعد حكراً على الضيوف. فعلى مدى العام الماضي، لاحظ المشاهد بزوغ ظاهرة «تدوير الضيوف» بعدما نجح خبراء سياسيون ومحللون استراتيجيون وفنانون في السيطرة على عدد كبير من البرامج ذائعة الصيت. وبلغت الظاهرة أوجها في أوقات الأزمات، إذ كان الضيف ينتهي من الإدلاء بدلوه في هذه القناة ليركض إلى أخرى في المبنى المواجه، ومنها إلى مبنى «ماسبيرو» ليستكمل عمليه التحليل والتنظير. وبمرور الأشهر التالية للثورة، تضاعف عدد القنوات الفضائية المصرية الخاصة في شكل لافت. وتحول بعضها إلى ملاذ آمن لمجموعة المذيعين المصنفين تحت بند «أنصار الفلول»، وأصبح البعض الآخر مرتعاً لمن كان مغضوباً عليه في ظل النظام السابق، وفتحت فئة ثالثة أبوابها أمام نوعية جديدة من المذيعين من المتحولين الجدد الى تلك المهنة. فبعد ظاهرة المذيع الصحافي التي أثارت حفيظة «المذيعين الأصليين» الذين اعتبروا الوافدين الجدد أشبه بالمحتل الأجنبي، فوجئ المشاهد بتحول شريحة كبيرة من الحقوقيين والأطباء والخبراء السياسيين إلى مذيعين. ويبدو أن كثرة التردد على القنوات والظهور المتكرر على الشاشة، مكّنهم من مفاتيح المهنة، فظهرت برامج عدة يقدمها ضيوف الأمس. لكنّ الأكثر طرافة من هذه الظاهرة هو المذيع ال «كعب داير». إذ شهد العام المنصرم تحول عدد كبير من المذيعين من هذه القناة إلى تلك في لعبة أشبه ب «الكراسي الموسيقية». وفي محاولة للبحث عن قبلة الحياة للبقاء على أثير البث التلفزيوني، هرع كثر من مذيعي التلفزيون الرسمي خارج «ماسبيرو» في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من فرصة الظهور الإعلامي. ومن أجل تحقيق الهدف انقلب بعضهم رأساً على عقب، فبدلاً من التغني بإنجازات النظام ومميزات رموزه، باتوا لا يكفون عن التنديد بكل إجراء أو سياسة أو حدث وقع على مدى العقود الثلاثة الماضية، مع الإفراط في الإشادة والتمجيد للثورة والثوار. أما «ماسبيرو» ففتح مخازنه البشرية التي ظلت مغلقة على محتوياتها من مذيعين ومذيعات لم يكن لهم حظ الظهور المتكرر لأسباب عدة، قد تتعلق بعدم قربهم من دوائر السلطة. إذ وجد المشاهد نفسه أمام عدد هائل من المذيعين معتقداً أنهم دخلوا «ماسبيرو» بعد الثورة. لكن المفاجأة هي أنهم ظلوا قابعين فيه لسنوات سيطرت خلالها قلة منتقاة من أصحاب الحظوة على الشاشات الرسمية. ويظل عالم التقديم في مصر بعد الثورة رحباً ومتسعاً لكل من تربطه صلة بالشاشة، سواء بحكم الدراسة أو الهواية أو الاستضافة أو حتى من باب إعادة تدوير الموارد البشرية. ويظل كل من يمر من أمام أو خلف أو حول كاميرات التلفزيون «مذيعاً محتملاً».