فعل المجلس المركزي الفلسطيني خيراً بترحيبه بدعوة الرئيس أبو مازن لفتح صفحة جديدة، والدعوة لعقد المجلس الوطني من دون تحديد موعد لذلك، وهذا أفضل بكثير من الأخذ بالدعوات غير المسؤولة لحل المجلس التشريعي التي من شأنها أن تصب المياه في مجرى تعميق الانقسام بين الفلسطينيين. ازدحام المواضيع على جدول أعمال المجلس المركزي، لا يطمس حقيقة ان الانقسام الفلسطيني هو الموضوع الرئيسي، وما أعطى أهمية مضاعفة لهذا الأمر تطوران بارزان، الأول حدث فعلاً، والثاني محتمل الحدوث خلال الفترة القريبة المقبلة. التطور الاول: استئناف المفاوضات وسعيها للتوصل إلى اتفاق مع نهاية العام الحالي، وظهور ان الوضع في غزة واستمرار اطلاق القذائف والصواريخ على اسرائيل منها أعطى لاسرائيل وحليفتها الولاياتالمتحدة الاميركية حجة قوية، جرى استخدامها أسوأ استخدام، ومن المرجح استخدامها بقوة أكبر، لتبرير عدم التقدم في المفاوضات والتوصل إلى اتفاق، أو لعدم تطبيق الاتفاق، اذا سلمنا جدلاً بأن هناك امكانية للتوصل إلى اتفاق خلال الفترة المتبقية من رئاسة جورج بوش الابن. ان الانقسام اصبح سيفاً مسلطاً على رقبة المفاوض الفلسطيني، مما جعله يفاوض وهو ضعيف . التطور الثاني والمحتمل ان يحدث خلال الاسابيع والأشهر المقبلة هو إطلاق سراح النواب المعتقلين من السجون الاسرائيلية، سواء من خلال إتمام صفقة تبادل الأسرى، أو من خلال إتمام معظمهم للاحكام الصادرة بحقهم، وهذا الأمر ان حدث سيؤدي إلى توفير اغلبية داخل المجلس التشريعي، تنتمي لكتلة الاصلاح والتغيير الموالية لحركة"حماس"، والتي تستطيع حينها ان تدعو لعقد جلسة للمجلس التشريعي وتسقط فيها حكومة سلام فياض وتلغي المراسيم التي أصدرها الرئيس محمود عباس خلال ما بعد الانقلاب. صحيح ان هناك قيوداً قانونية تحول وتعرقل الدعوة لعقد المجلس التشريعي من دون دعوة من الرئيس صاحب الحق في الدعوة لافتتاح دورة المجلس التشريعي، وان الرئيس يتمتع بسلطة تسمح له باتخاذ قرارات تقتضيها المصلحة الوطنية في الحالات الطارئة مثل الدعوة إلى اعلان حالة الطوارئ وغيرها من الاجراءات، لكن الأمر الأهم أن أغلبية اعضاء المجلس التشريعي ستكون قادرة على العمل بعد اطلاق سراح النواب خصوصاً ان المجلس التشريعي غائب ولكن لم يتخذ قرار بحله، وهذا وضع قد يؤدي الى تعميق الانقسام أو يساعد على التوصل إلى حل وطني. بعض الفلسطينيين ممن اعتبر الانقسام فرصة لعمل ما لا يمكن عمله في ظل الوحدة يتصور ان الحل بسيط ويكمن في حل المجلس التشريعي في خطوة استباقية او لاحقة لإطلاق سراح النواب. وهذا الحل اذا تم السير فيه يجعل اطلاق سراح النواب نقمة بدلاً من أن يكون فرجاً، وربما هناك من يفكر ان الأفضل أن يستمر اعتقال النواب، وهذا التفكير إن وجد يعتبر تساوقاً مرفوضاً مع الاحتلال. وهناك من يدعو إلى حل المجلس التشريعي بطرق ذكية تستند الى حجة تبدو منطقية جداً، وهي أن الاغلبية في المجلس التشريعي لا تلتزم بمنظمة التحرير، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ومرجعيته العليا، ولا توافق على برنامجها ولا على الالتزامات التي عقدتها، كما انها ساندت أو غطت الانقلاب الذي نفذته حركة"حماس"ضد الشرعية الفلسطينية، وبالتالي أسقطت كل الحقوق التي لها. ويتناسى أصحاب هذه الأفكار ان"حماس"شاركت في الانتخابات من دون شروط، ولا يمكن بعد نجاحها وضع الشروط عليها، وهذا البعض يطرح الاحتكام إلى الشعب عبر الانتخابات المبكرة سواء بقرار من المجلس المركزي أو المجلس الوطني أو عن طريق دعوة المجلس الوطني للانعقاد ووضع شرط على كل عضو فيه ان يوافق على برنامج المنظمة لوحده او برنامجها والتزاماتها، ومن لا يوافق تسقط عضويته اذا كان قد حصل عليها، ولا يحصل عليها اذا كان عضواً في المجلس التشريعي اذ يفترض ان يصبح عضواً في المجلس الوطني بمجرد انتخابه، كما جرت العادة،. وكما أُقر سابقاً، وهنا تبرز اشكالية كبرى لا يمكن القفز عنها بخفة، وتتمثل بعدم صحة ان يقوم المجلس الوطني غير المنتخب بحل المجلس التشريعي المنتخب. السؤال هنا: اذا افترضنا جدلاً ان"حماس"وافقت على الانتخابات المبكرة، وهذا مستبعد جداً، بل مستحيل اذا لم يتم توافق وطني عام على رزمة متكاملة من المسائل، هل ستتمكن من المشاركة أم ستوضع عليها اشتراطات مثل الموافقة على المنظمة وبرنامجها والتزاماتها، وبذلك يتم اقصاؤها واقصاء كل المعارضين لاتفاق اوسلو وملحقاته والتزامات المنظمة، ويتم توجيه ضربة قاصمة للتعددية والديموقراطية؟ واذا حرمت"حماس"والمعارضة من المشاركة، او اذا رفضت المشاركة في الانتخابات المبكرة، فكيف ستجري الانتخابات في غزة، وهي تحت سيطرة حماس؟ هل يراهن البعض على قيام اسرائيل باحتلال غزة مجدداً، كما تتحدث الأنباء عن خطط اسرائيلية موضوعة لذلك، أم يمكن اجراء انتخابات من دون غزة؟ هناك فرق حاسم بين وضع الاعتراف بالمنظمة كشرط وبين المطالبة بالموافقة على برنامجها والتزاماتها لأن مثل هذه المطالبة تقود إلى سيطرة الرأي الواحد والحزب الواحد. اعتقد ان افضل ما قام به المجلس المركزي هو التأكيد على قراره السابق بتشكيل لجنة للتحضير للدعوة لاجتماع المجلس الوطني، يكون من ضمن اهدافها العمل على تطبيق ما جاء في اعلان القاهرة ووثيقة الاسرى بهذا الخصوص، والتلويح ل"حماس"وغيرها بأن الاستمرار في التمسك بالسلطة في غزة، سيعمق الانقسام وسيؤدي الى ما لا تحمد عقباه لها وللجميع وللقضية، بما في ذلك الدعوة الى انعقاد المجلس الوطني بتركيبته القديمة، لأن القضية الفلسطينية اكبر من كل الفصائل ولا يجب ان تبقى رهينة في يد أحد. ويجب ان لا نسقط من الحسبان ان النواب الأسرى لم يشاركوا في الانقلاب، وربما لا يوافقون عليه، وقد يكونون لبنة بناء وليس عنصر هدم. لذا يمكن ان يشكل اطلاق سراحهم فرصة لمعالجة الانقسام بصورة صحيحة مثلما كانت وثيقة الأسرى السابقة بداية للخروج من المأزق، فمعالجة الانقسام لا تتم فقط بالتراجع عن الانقلاب، وهذه خطوة اولى ضرورية، لكنها لا تكتمل بعودة الامور إلى ما كانت عليه، لأن الوضع السابق هو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه، وانما لا بُد من معالجة جذور الانقسام وأسبابه. وحتى يتم ذلك لا بد من تشكيل لجنة تحقيق وطنية ومستقلة ومحل ثقة من الجميع مهمتها معرفة ما جرى ووضع الاقتراحات لمعالجته، ومنع تداعياته خشية ان تؤدي الوحدة اذا جاءت شكلية وعلى أساس المحاصصة وليس الشراكة الوطنية، إلى عمليات ثأر وانتقام لا تنتهي. ان الخروج من المأزق يقتضي اولاً اعادة الاعتبار الى البرنامج الوطني: برنامج العودة والحرية والاستقلال، والاتفاق على مرجعية واحدة، وخطط العمل، واشكال النضال الكفيلة بتحقيقه. واذا لم يتم الاتفاق على البرنامج وكيفية التعامل مع التزامات المنظمة والسلطة بصورة ديموقراطية ومسؤولة، لا بُد من الاحتكام الى الشعب عبر انتخابات وظيفتها تحديد البرنامج الذي يريده الشعب، والتزام الجميع مسبقاً باحترام إرادته مهما كانت. وفي كل الاحوال يجب الاحتكام إلى الشعب وإلى الانتخابات المبكرة، لأن اتفاق الفصائل وحدها وعلى اهمية دورها لا يكفي، لأنها لا يمكن ان تحل بدلاً من الشعب. ولكن المهم هو الذهاب الى انتخابات والفلسطينيون موحدون على مرجعية وطنية واحدة وبرنامج واحد، ومتفقون على قواعد اللعبة بعيداً عن العنف والحسم العسكري والتخوين والاقصاء والتفرد والهيمنة، فذلك افضل بكثير من الذهاب اليها ونحن مختلفون! ويمكن ان يتضمن أي اتفاق تشكيل حكومة انتقالية من كفاءات وطنية مستقلة مهمتها التحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال مدة اقصاها عام، وعلى أساس التمثيل النسبي الكامل، حتى لا نواجه سلطة برأسين وبرنامجين،. وعودة إلى المحاصصة الفصائلية أو الثنائية مجدداً، كما على الحكومة الانتقالية ان تعالج ذيول الانقسام فهناك مئات الضحايا والمعاقين والمتضررين الذين لا يجب تجاهل معاناتهم ويجب تعويضهم. كما أن أي اتفاق وطني يجب أن يشمل النظر بأوضاع الاجهزة الأمنية وحل القوة التنفيذية والميليشيات المسلحة الفصائلية والعائلية، بحيث يكون لدينا أجهزة أمنية وطنية ومهنية بعيدة كلياً عن الحزبية، ومراكز القوى، وتلتزم بعقيدة أمنية تستمد أساساً من المصلحة والأولويات الوطنية. واخيراً، ان أي اتفاق يجب أن يكون في قلبه اصلاح وتفعيل واعادة تشكيل م.ت.ف، وضم الفصائل والقطاعات والفعاليات التي لا تزال خارجها، وعلى أساس ان المنظمة قائدة ومدافعة عن أهداف ومصالح الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل وخارجه!؟ * كاتب فلسطيني