على رغم أن معاينة الموقف في لبنان، في ضوء الاستحقاق الرئاسي المقبل كمحطة مفصلية، تؤشر الى الوجهة التي ستسلكها الأزمة اللبنانية. ويميل كثيرون الى التشاؤم ويرجحون حصول الفراغ الرئاسي نتيجة استمرار الهوة العميقة بين مواقف فريقي الأزمة السياسية المحليين، وفي مواقف حلفاء كل منهما، فإن قلة قليلة ما زالت تأمل بحصول عملية انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، وترجح هذا الاتجاه على غيره. هناك مبرر لما تأمل به هذه القلة، بالمعنى النظري للكلمة. فتاريخياً تقول القاعدة ان مصير انتخابات الرئاسة في لبنان يتقرر في الربع الساعة الأخير لموعد الاستحقاق، ولم يحصل أن أُجريت انتخابات الرئاسة في لبنان، على مر العقود في ظل معرفة اسم الرئيس العتيد أو المرشح الأوفر حظاً قبل شهر أو شهرين. فالأمر يتم نتيجة تسويات تتم في الغرف المغلقة في اللحظات الاخيرة. وفي حالات كثيرة نام بعض المرشحين على ان التسوية وقعت على اسمهم واستفاقوا في اليوم التالي على تعديل في الصفقة فراحت الحظوة الى غيرهم وانتُخبوا رؤساء. فالانتخابات الرئاسية في لبنان تتسم بالغموض لأن الانقسام السياسي والعوامل الطائفية وغياب صيغة الحزبين او التكتلين، وتداخل العوامل الاقليمية والدولية مع استحقاق كهذا، تجعل من أمر اختيار الرئيس العتيد عملية دقيقة وحساسة ومعقدة يتكفل الوقت والقوى الخارجية بصوغها. والمهلة الفاصلة مع انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود في 23 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، طويلة جداً بالمقاييس اللبنانية. إذ تفصل لبنان 25 يوماً عن بدء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، وشهران ونصف الشهر عن مهلة العشرة أيام الأخيرة التي تنص على أن يعقد البرلمان"حكماً"لانتخاب الرئيس خلالها. وفي حال الاستحقاق الرئاسي اللبناني هذه المرة تضاعفت التعقيدات والصعوبات أمام إمكان حسم موضوع الرئاسة في شكل قد يؤجل الصفقة، اذا حصلت، الى اللحظات الاخيرة، هذا اذا افترضنا أن الظروف غيّرت من اتجاه الأمور نحو الفراغ الرئاسي، وأدت الى تغليب خيار التوافق على الرئيس العتيد نتيجة تطورات خارجية ما تدفع في هذا الاتجاه، عكس ما هو سائد الآن من استمرار الصراع الخارجي الدولي، والإقليمي على حصة كل من القوى الخارجية المتناحرة في الرئيس اللبناني الجديد. وتجنح القوى السياسية اللبنانية والخارجية في انتظار ربع الساعة الأخير، الى المناورة والمداورة في التعاطي مع أسماء المرشحين لأن المرحلة مرحلة حرق أسماء، إضافة الى أنها مرحلة يرفع كل منها سقف موقفه في مواجهة الآخر، ويتجنب كشف أوراقه في شأن موقف الحد الأدنى الذي يقبل به إذا كانت حظوظ التسوية سترجح بعد بضعة أسابيع، ويحتفظ لنفسه بحق الثبات على موقف الحد الأقصى الذي يكون قد أخذه في حال فشل التوافق والتسوية. ولا تكتفي الأطراف السياسية باعتماد أسلوب التحفظ في حديثها عن أسماء المرشحين في انتظار ربع الساعة الأخير، بل هي تتحفظ عن الأجوبة على المفاعيل والتداعيات التي ستأخذها في حال اتجهت الأمور نحو فشل أي تسوية. وإذا كانت المعارضة تلوح بإقامة الحكومة الثانية فإن قادتها وبينهم قادة"حزب الله"لا يقدمون أجوبة واضحة عن الخطوات التي سيتخذونها على الأرض من أجل تهيئة الظروف الواقعية كي تتمكن حكومة كهذه من أن يدخل وزراؤها الوزارات التي سيتولون مسؤولياتها ولا عن المحاذير الأمنية التي تحول دون ذلك وأسلوب معالجتها أمام مخاطر إطلاق شرارة حرب أهلية بسبب هذه الإجراءات، تؤدي الى نوع من التقسيم. وإذا كانت الأكثرية تشدد على أنها ستنتخب رئيساً بأكثرية النصف +1 في الدورة الثانية من الجلسة الانتخابية متجاوزة إصرار المعارضة على نصاب الثلثين لعقد الجلسة الانتخابية، فإنها لا تقدم أجوبة عن كيفية جمع نواب الأكثرية خارج البرلمان ولا عن المكان الذي سيكون مقر الرئيس الجديد، في القصر الجمهوري في بعبدا أم في القصر الجمهوري في بيت الدين، ولا عن كيفية إجراء الاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة الجديد تأليف الحكومة الجديدة لأن الحالية تعتبر مستقيلة وفق الدستور، في ظل نية رئيس البرلمان الذي يفترض ان"يطلع"من رئيس الجمهورية على نتائج الاستشارات، عدم الاعتراف بالرئيس الجديد. لعلّ غياب الأجوبة عن الأسئلة حول ما بعد تعذر خيار التسوية هو الذي يجعل تلك القلة تأمل بحصولها في نهاية المطاف.