تقف مجموعة من الأطفال حول صبيّة في العشرين من عمرها، تجتهد في أن تشرح وجهة نظر ما. تراقبها أمهات من بعيد، بينما تقترب أخريات للاطلاع عن كثب على ما يسترعى انتباه أطفالهن، وجعلهم يغادرون برك السباحة، والمعارك المائية واللهو، إلى بقعة متواضعة ظليلة. "نضع هذا السوار في أيدينا، وعندما يتغيّر لونه، يجب علينا أن نقي أنفسنا من الشمس"، قالت الشابة، قبل البدء بتوزيع عشرات الأساور على الأطفال المتحلّقين حولها. ويتكوّن سوار الاطفال من خرزات بيض، وهناك سوار آخر شفاف وُزِّع على الأهل ليشاركوا في التجربة. تفرّق الأطفال من تحت السقيفة وانتشروا تحت أشعة الشمس، وراحوا ينظرون إلى الأساور في أيديهم، ويتحدث بعضهم إلى بعض، وكل ينظر إلى سواره. دقائق قليلة من الترقّب مرت، علا بعدها صراخ وضحك، إعلاناً لنجاح"التجربة". فالخرزات البيض تلوّنت، إشارة إلى أن مستوى الأشعة ما فوق البنفسجية مرتفع، في مثل هذا الوقت. فأسرع بعض الأطفال إلى ذويهم، ووقفوا تحت المظلّة، وأخذ كل منهم يمسح جسمه الصغير بما يقع عليه من وسائل وقاية وحماية متوافرة. بعضهم اعتمر قبعات ظريفة، وبعضهم الآخر وضع نظارات شمسية، وآخرون استقروا وسكنوا في أحضان أمهاتهم اللواتي شرعن في مسح كريم الوقاية عن أجساد صبيانهن وبناتهن. من بعيد، وقفت الشابة العشرينية وصديقاتها اللواتي تابعن توزيع الأساور على مجموعات أخرى من الأطفال، يراقبن الحركة التي عمّت الشاطئ. والشابات ناشطات في"مكتب الأوزون"التابع لوزارة البيئة في لبنان، يتولين عدداً من نشاطات التوعية في إطار تشكيل ثقافة بيئية صحيحة، تساهم في الحد من الأخطار البيئية التي تؤثر مباشرة في حياة الانسان. وتشرح جمانة سماحة، المنسقة الاعلامية لمكتب الأوزون، أن هذا النشاط هو جزء من خطة طويلة الأمد، وضعت من أجل كشف الأخطار الناتجة من ثقب الأوزون وسبل الوقاية من تأثيراتها. وتضيف أن الحد من هذه الأخطار مسؤولية مشتركة تقع على الجميع، في القطاعات العامة والخاصة. وفي هذا الاطار، تلعب الأسر دوراً مهماً في توعية الأطفال وتنشئتهم على أسس صحيحة، بما يخدمهم ويقيهم شر المشاكل الناجمة عن الضعف في"نسيج"الأوزون والمواد المنبعثة جراء ذلك. وتضافر الجهود الجماعية التي تشير إليها سماحة، تتوزع بين المسؤولين في مكتب الأوزون في بيروت، وعدد من المصانع التي يجرى التنسيق معها، للحد من مخلفات الصناعات المؤثرة في طبقة الأوزون. وتطاول الإجراءات أكثر من صعيد، فمنها ما يحوَّل من صناعات مستنفدة ومضرة بالأوزون، وتحتوي على مواد كلور ? فلور ? كربون، CFC، إلى منتجات تحمي طبقة الأوزون، إضافة إلى جانب التوعية من الأضرار التي تسببها الأشعة ما فوق البنفسجية للصحة العامة. فوائد بيئية وصحية كثيرة تشكل أهداف الإجراءات المتخذة لحماية طبقة الأوزون واستعادتها، والوقف التدريجي لإنتاج أكثر من 95 في المئة من المواد الكيماوية الخاضعة للرقابة واستهلاكها، بموجب"بروتوكول مونتريال". وينص هذا البروتوكول المبرم في أيلول سبتمبر 1987 على الحد من انتاج المواد التي تستنفد طبقة الأوزون واستهلاكها، بهدف التخلص منها تدريجاً ونهائياً، خلال وقت قصير. ويقول مدير مكتب الأوزون في بيروت، مازن حسين، إن احترام البروتوكول والتقيّد بإجراءاته أديا الى خفض المواد المستنفدة لثلاثي الأوكسيجين، O3، تركيب الأوزون، بين عامي 1990 و2000، وتالياً إلى خفض شامل يقدّر بنحو 25 بليون طن من ثاني أوكسيد الكربون المرجح بغازات الاحترار العالمي. إلاّ أن التوقّعات لم تتحقق تماماً، ولا تزال المصانع ومصادر انبعاث الغازات الضارة تعمل، وتالياً، خطر استنفاد"حامي"الكوكب الأزرق من لهيب الشمس. وعلى صعيد الفوائد الصحية المباشرة، يؤكد حسين أن ضوابط تنفيذ البروتوكول مكنت العالم من تجنيب ملايين حالات سرطان الجلد الخبيث، وعشرات الملايين حالات سرطان الجلد غير الخبيث، وحالات إعتام عدسة العين. ويضيف:"تقدر الولاياتالمتحدة، أنه بحلول عام 2165، يكون قد تمّ تجنيب 6.3 مليون من وفيات سرطان الجلد فيها وحدها، وأن جهود حماية طبقة الأوزون ستكون وفّرت عليها ما يُقدّر ب 4.3 تريليون دولار من تكاليف الرعاية الصحية خلال فترة 1990 و2165". ويستدرك حسين:"قد تبدو هذه الفترة بعيدة جداً، ولكن إذا نظرنا إلى الفوائد فهي أيضاً مهمة جداً، من دون أن ننسى أن هذا الهدف يتحقق تدريجاً، ومنافعه ستزداد ونتائجه تتأكّد مع الوقت". ويزيد:"لا يمكن معرفة الآثار الكاملة لجهود ترميم طبقة الأوزون الواقية، إلا بعد نحو 50 سنة، ولكن على الأقل يمكن الافادة من تدابير متنوعة وبسيطة على غرار ارتداء نظارات شمسية، واعتمار قبعات واستخدام الستائر". وفي هذا السياق، قام مكتب الأوزون في وزارة البيئة في بيروت، بإنشاء لوحة تثقيفية لشرح معاهدة مونتريال التي وقّع عليها لبنان مع 190 بلداً آخر. وتبين اللوحة، المعروضة أمام العموم، النشاطات التي ينفّذها المكتب، لتطبيق نصوصها. وتضم صوراً لعدد من المصانع ال 70 التي عُدّلت من مضرة لطبقة الأوزون إلى حامية لهذه الطبقة. وإضافة إلى المعلومات الوافية، تحمل اللوحة المراحل التي أنجزت، والخطوات المتبقية. ويؤكد العاملون في مكتب الأوزون أن هذه اللوحة تصب في إطار الأهداف التي تسعى البلدان الأعضاء في معاهدة مونتريال إلى تحقيقها. دعم كامل للمزارع والصناعيين من أجل كسبهم أصدقاء للأوزون، كُتيبات، ألعاب، هدايا للأطفال، وندوات تثقيفية... وغيرها من النشاطات يعمل على تنفيذها مكتب الأوزون لنشر الوعي بين المواطنين، بتمويل من الصندوق المتعدد الأطراف التابع لبروتوكول مونتريال. وتختصر لمى مغامس من المكتب الوضع:"أردنا أن نُفهم الأطفال وأهلهم أنه متى تلوّنت الأساور التي يضعونها في أيديهم يكونون قد لمسوا دليلاً إلى تلوث غاز الأوزون". ... وحكايات تشجع على تضميد "جرح" الكوكب "حكايتنا مع الأوزون"، كتيب مصوّر يوزعه مكتب الأوزون في وزارة البيئة في بيروت بالتعاون مع المركز الدولي للتنمية UNDP. ويختصر حكاية طبقة الأوزون بأربع عشرة خطوة، بين شعار"طبقة الأوزون الدرع الواقي من الأشعة فوق البنفسجية الضارة، كي نتمتع بدفء الشمس"وشعار"فلنحمِ طبقة الأوزون لحياة أفضل على الأرض"، ويضمّ صوراً ملونة ورسوماً كرتونية، توضح الفكرة بطريقة يسيرة، لتصبح في متناول الجميع، لا سيما الأطفال. وفي الإطار نفسه، يقدّم مكتب الأوزون، بالتعاون مع المركز الدولي للتنمية UNDP وبرنامج الأممالمتحدة للبيئة UNEP،"ثلاثة بين ملايين"، وهو دليل توعية لمشاكل الأوزون. والعنوان يدلّ إلى تكوين الأوزون من ثلاث ذرات أوكسيجين، O3، منحلّة بين ملايين من مثيلاتها. وبحسب مقدمة الدليل الذي يتألف من 31 صفحة، فإن الفكرة الرئيسة خلفه، هي إبراز أهمية طبقة الأوزون بالنسبة إلى الحياة على الأرض على رغم النقص الذي طرأ على غاز الأوزون في طبقات الجو. وهو يهدف أيضاً إلى تشجيع الأولاد على حماية طبقة الأوزون والمشاركة الفاعلة في ممارستها وتطبيقها، ويعطيهم نصائح وإرشادات حول الوقاية من الأشعة فوق البنفسجية. يحتوي دليل"ثلاثة بين ملايين"على معلومات ونشاطات وتطبيقات عملية تتعلق بمشكلة الأوزون في شكل عام، وسبل إيجاد الحلول المناسبة لها، ودور الأولاد في ذلك. يتوجه الدليل إلى الأولاد في مرحلة التعليم الأساسي، الحلقتين الثانية والثالثة، ويستهدف الفئة العمرية بين 9 و12 سنة. وتشير مقدمة الدليل إلى أنه متاح لمدرّسي مواد العلوم ولأي مدرس يريد نشر الوعي بين طلابه حول مشكلة ثقب الأوزون وتأثيراته السيئة في الأرض والاحتباس الحراري. ويستطيع منشّطو الأندية البيئية المدرسية وأصدقاء البيئة أيضاً، الاستناد إليه كمرجع. ويعتمد دليل"ثلاثة بين ملايين"، في عرض الموضوع، على شخصيات رمزية تظهر في مواقف وأشكال وأمكنة مختلفة، وتسمح بإيصال الفكرة واضحة إلى الطلاب. ويفضل واضعو الدليل أن يستعين المعلّم بهذه الشخصيات ويعتمدها، عند عرض"ثلاثة بين ملايين".