بين العاشرة صباحاً والرابعة عصراً، تغمر فيوض الأشعة فوق البنفسجية الأرض، وتعطي للفجر والمغيب ألوانهما المتميّزة. إنها أشعة لا ترى بالعين المجردة، لشدّة قصر موجاتها، لكن الجسم يستعملها إيجاباً في عمليات حيوية تشمل فيتامين «د» والأنسولين وجهاز المناعة وغيرها. ماذا عندما تتعرض أجساد البشر لكميات زائدة من هذه الأشعة؟ عندها، تهطل مخاطر كبرى مثل زيادة نسب الإصابة بسرطانات الجلد. ثمة معطى مهم في هذه المعادلة، إذ تشكّل الأشعة فوق البنفسجية جزءاً من ضوء الشمس العادي، لكن الغلاف الجوي للأرض لديه درع يحمي البشر من إمكان تدفق كميات مُضرّة من هذه الأشعة. ليس هذا الدرع سوى طبقة الأوزون في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، المُسمّاة «ستراتوسفير». المعلوم أن الأوزون هو جزيء مكوّن من 3 ذرّات من الأوكسجين. لنتذكر أن جزيء الأوكسجين الذي تستحيل الحياة من دونه، يتألّف من ذرتين من الأوكسجين. هناك مواد تتفاعل مع الأوزون بطرق مختلفة، لكنها تؤدي كلها الى تناقص في كميات الأوزون. واستطراداً، فإن مواد «كلور فلور كاربون» Chlorofluorocarbon هي الأشد قدرة على التفاعل مع الأوزون، وبالتالي فإنها تعمل باستمرار على إنقاص كمياته في ال «ستراتوسفير». يعني ذلك أن هذه المواد، المسماة اختصاراً باسم «سي أف سي» CFC، تلتهم الدرع الذي يحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية. تأتي مواد «سي أف سي» من أنواع ال «سبراي» المستخدم في إزالة روائح الجسد وتثبيت الشعر، إضافة الى السوائل المستخدمة في أجهزة التبريد والتكييف، والمواد الرغوية المستعملة في إطفاء الحرائق وغيرها. وفي 1985 اكتشف فريق علمي في بريطانيا تآكلاً كبيراً في طبقة الأوزون فوق القطب الجنوبي. وظهر مصطلح «ثقب الأوزون» Ozone Hole. في 16 أيلول (سبتمبر) 1987، صيغ «بروتوكول مونتريال لحماية طبقة الأوزون». واعتبر الأمر خطوة حاسمة في المواجهة مع هذه الكارثة البيئية. وفي 1994 كُرّس هذا التاريخ باعتباره «اليوم العالمي للأوزون» World Ozone Day. وفي 1991، تأسّس صندوق متعدد الأطراف لحماية طبقة الأوزون، ومساعدة الدول النامية على تنفيذ بنود «بروتوكول مونتريال». حقّقت جهود الحفاظ على الأوزون نجاحاً طيّباً، إذ أوقفت دول كثيرة إنتاج مواد مضرة بطبقة الأوزون، بنسبة تصل إلى 98 في المئة، ودخلت طبقة الأوزون في مرحلة استعادة تماسكها السابق. في انتظار تماسك الأوزون يأمل بعض العلماء أن تعود هذه الطبقة إلى المستويات التي كانت عليها قبل 1980، في وقت ما بين عامي 2050 و 2075. هل يتحقق هذا الأمل؟ أشارت دراسة صدرت عن «وكالة حماية البيئة الأميركية» إلى إنه بحلول 2165 ستكون الإجراءات المتخذة لحماية طبقة الأوزون واستعادتها، قد خفضت وفيات سرطان الجلد بقرابة 63 مليوناً، إضافة الى منع إنفاق قرابة 4.2 ترليون دولار في أميركا، على الرعاية الصحية لأمراض يسببها تآكل الأوزون. وفي سياق مواجهة ثقب الأوزون، لجأت الشركات الى استبدال مواد «سي آف سي» بمواد «هايدرو كلور فلوركاربون» hydro chlor florocarbon، واختصاراً «آتش سي آف سي» hcfc. ثم لاحظ العلماء أنها من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، المترافقة مع التغيّر في المناخ. وسرعان ما وُضِع ملحق ل «بروتوكول مونتريال» يحضّ على التخلص من هذه المواد. لذا، رفع «يوم الأوزون العالمي» في 2011، شعار «التخلص من مواد الهايدروكلوروفلوروكربون: فرصة فريدة». في هذا السياق، أوضح ماركو غونزاليس المدير التنفيذي لسكرتارية الأوزون في الأممالمتحدة، أن هذا الشعار يشير إلى فرصة حقيقية لاكتشاف مواد وتقنيات متقدمة لا تستنفد الأوزون من جهة، ولا تزيد في تغيّر المناخ والاحتباس الحراري، من الجهة الثانية. وأشار غونزاليس أيضاً إلى أهمية مساهمة المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والجمهور، في التوعية بمشكلة الأوزون. في هذا السياق، التقت «الحياة» الدكتور محمد الزرقا، وهو اختصاصي في الكيمياء يعمل مستشاراً في الأممالمتحدة للتنمية الصناعية ويترأس فريق العمل المكلّف وضع استراتيجية مصرية للتخلص من «آتش سي آف سي». وأوضح أن مواد «آتش سي آف سي» راجت باعتبارها أقل إضراراً بطبقة الأوزون، لكن ثبت انها مؤذية للمناخ، ما يوجب التخلص منها. وأوضح أن ملحق «بروتوكول مونتريال» وضع خطة متدرّجة للتخلص من «آتش سي آف سي» مع حلول عام 2040، مع ملاحظة ان تجميد إنتاجها يفترض أن يجرى في 2013، مع تحديد مستوى إنتاج «آتش سي آف سي» في كل دولة على حدة. وأوضح أن مصر انجزت خطتها في هذا الشأن، بالتعاون مع «منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية». حتى 2040 على الدول أن تلتزم بخفض متدرّج، استناداً إلى مستويات استهلاكها في عامي 2009 و2010، ثم يخفض الإنتاج بمعدل 10 في المئة في 2015، و35 في المئة في 2020، و 67.5 في المئة في 2025، و 9705 في المئة في 2030 وصولاً إلى الامتناع عن الإنتاج كلياً في 2040. وأشار الزرقا إلى تواصل جهود علمية دؤوبة في البحث عن بدائل لمواد «هايدروكلوروفلوروكربون»، مُلاحظاً أن البعض يطرح العودة لاستعمال مواد قديمة مثل النشادر، مع اتخاذ احتياطات صارمة في شأن استخداماتها. وبيّن أن بعض البحوث توصلت الى مواد بديلة فعلاً، لكنها لم تأتِ متماشية مع الأجهزة المستخدمة حاضراً. «هناك حاجة إلى أجهزة جديدة وفكر جديد في الإنتاج والصيانة. وتالياً، على الاستراتيجيات الوطنية الاهتمام بوضع خطة لدخول هذه المواد الجديدة الى الأسواق. لا بد أيضاً من ضبط عمليات الاستيراد والالتزام بالجداول الزمنية للتخلص التدريجي. نحن أمام خطر يتهدّد مستقبل الحياة على هذا الكوكب. هناك مشكلة في البخاخات الصحية المستخدمة في علاج نوبات مرض الربو، لأنها تحتوي على «هايدروكلوروفلوروكربون»، وقد جرى استثناؤها من «بروتوكول مونتريال»، بانتظار التوصل الى بدائل آمنة وممكنة اقتصادياً. استطراداً، لنلاحظ أن هناك بدائل مرتفعة الثمن، ما يعني أن استعمالها يضاعف سعر هذه البخاخات الصحية. لقد سارت الدول المتقدمة أشواطاً في وقف المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، ما يعني أن لديها فائضاً من الأجهزة التي كانت تستعمل تلك المواد، وتستمر في تصدير هذه الأجهزة إلى الدول النامية، في انتظار الوصول الى الحظر في 2040. بقول آخر، هناك حاجة إلى رقابة وتشريعات قوية، خصوصاً مع وجود سوق سوداء وعمليات تهريب واسعة». تحديّات كبرى على رغم الجهود التي تبذل لحماية طبقة الأوزون، من الواضح أن هناك حاجة إلى مزيد من التزام الدول، خصوصاً المتقدمة منها، بتنفيذ الخطط الزمنية المتعلّقة بالتخلص من المواد المستنفدة لطبقة الأوزون. إذ صدر تقرير في نيسان (إبريل) 2011 عن «المنظمة الدولية للأرصاد الجوية» التابعة للأمم المتحدة، يسجل نقصاً في درع الأوزون في طبقة الستراتوسفير من الغلاف الجوي فوق القطب الشمالي. ووصف التقرير هذا النقص بأنه غير مسبوق. إذ وصل التآكل في عمود الأوزون إلى قرابة 40 في المئة منذ بداية فصل الشتاء وحتى أوائل الربيع المنصرم. المعلوم أن أكبر خسارة جرى تسجيلها سابقاً لم تتعد ال30 في المئة، وكانت فوق القطب الجنوبي. وأرجع بعض العلماء هذا الأمر إلى البرد الشديد في هذه السنة عند مستوى طبقة الستراتوسفير. في هذا الإطار، يبرز تحدٍ مهم قوامه استمرار قوة الدفع للتخلص التدريجي للمواد المستنفدة للأوزون، والعمل على ضمان التعامل بصورة سليمة بيئياً مع هذه المواد، التي يرقد بعضها في مخازن متخصصة، تحت رقابة صارمة. وفي سياق متّصل، هناك حاجة لتوفير تمويل كافٍ للدول النامية. برز هذا الأمر في لقاء «الحياة» مع د. عمر العريني الذي ترأّس «الصندوق المتعدد الأطراف عن الأوزون» بين عامي 1991 و2003. وأوضح أن هذا الصندوق مثّل نموذجاً ناجحاً أقرّ به المجتمع الدولي، كما قدّم نموذجاً للتعاون بين الدول المتقدمة والنامية في مواجهة مشكلة بيئية مُحدّدة. وبيّن أيضاً أن هذا الصندوق يحتاج حاضراً لزيادة موارده كي يستمر في جهوده لوقف إنتاج مواد «أتش سي آف سي»، والتوصّل الى القضاء على الخلّل فى طبقة الأوزون. ومن المقرر أن تستضيف جزيرة «بالي» الأندونيسية اجتماعاً مشتركاً لل23 للأطراف الموقّعة على بروتوكول مونتريال» و «الاجتماع التاسع لمؤتمر أطراف اتفاقية فيينا»، بين يومي 21 و 25 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ويناقش هذا الاجتماع مسألة موارد صندوق الأوزون. واختتم العريني كلامه بإشارة ضاحكة إلى ضرورة البحث عن علامة خلو المنتجات من «كلوروفلوروكربون» حتى عام 2040، وبعدها يجب البحث عن علامة آخرى هي «خالٍ من مواد هيدروكلوروفلوروكربون».