قدم وزير الخارجية التركي عبدالله غل أمس طلبا رسميا إلى البرلمان للترشح إلى انتخابات رئاسة الجمهورية التي تجري في العشرين من الشهر الحالي، لكن "حزب الشعب الجمهوري"، اكبر احزاب المعارضة العلمانية، سارع الى اعلان مقاطعته الانتخابات الرئاسية ومعارضته الشديدة لترشيحه بسبب التهديد الذي قد يشكله للنظام العلماني في البلاد، رغم ان هذه المقاطعة لا تكفي لمنع انتخاب غل. وجاء قرار غل ترشيح نفسه بعد حسم النقاش داخل"حزب العدالة والتنمية"الحاكم حول الطريقة التي تجب بها إعادة طرح اسمه مجددا لتفادي الدخول في أزمة سياسية جديدة كتلك التي وقعت في ايار مايو الماضي عندما رفض الجيش في بيان ترشحه للرئاسة، ما دفع احزاب المعارضة الى مقاطعة تلك الانتخابات وعرقلة اجرائها، فكان الاحتكام الى الانتخابات النيابية المبكرة. وحتى اللحظة الاخيرة كان اردوغان يفضل طرح أكثر من مرشح عن حزبه الى جانب غل، بينما لم يخف بعض اعضاء الحزب تمنيهم أن يتراجع غل عن ترشحه، لبدء صفحة جديدة مع المؤسسة العسكرية والمعارضة، خصوصاً وأن أي مرشح آخر من"العدالة والتنمية"يمكنه الفوز بمنصب الرئاسة والتعاون بشكل تام مع حزبه. لكن غل وبعض الاوساط داخل الحزب أصرا على عدم التراجع او التنازل، لاستحالة تبرير ذلك أمام الناخبين الذين صوتوا في الانتخابات البرلمانية معبرين عن تأييدهم لوصول غل الى القصر الجمهوري، كما ان استطلاعات الرأي التي اجريت أخيراً تؤكد جميعها أن أكثر من 65 في المئة من الاتراك يؤيدون هذا الترشيح. ولفت داعمو ترشيح غل داخل الحزب الى أنه في حال انحنى الحزب الآن أمام المعارضة، فسيضطر على الدوام الى تقديم المزيد من التنازلات لأن المعارضة لن تكف عن استخدام اسلوب التهديد بإثارة أزمة سياسية او التلويح باحتمال تدخل الجيش في أي قضية خلاف مع الحكومة، وشدد هؤلاء على ضرورة التصدي للدور الذي يلعبه"المحافظون الجدد"في الادارة الاميركية ضد شخص غل، اذ يعتقدون بأنهم اوعزوا الى الجيش للتحرك ضد وزير الخارجية في ايار مايو بسبب سياساته الساعية الى تخفيف التوتر في منطقة الشرق الاوسط ورفضه الوقوف بشكل صارم ضد ايران. وسبقت تقديم غل لمذكرة ترشحه مخالصة ذمة بينه وبين رفيق دربه اردوغان الذي يستعد لتقديم تشكيلته الحكومية الجديدة غدا الى الرئيس أحمد نجدت سيزار، اذ تعمد رئيس الوزراء أن يعلن بنفسه في اجتماع مغلق للجنة التنفيذية للحزب دعمه وبحزم ترشيح غل من أجل قطع الطريق على أي تشكيك في أن الامر تم رغماً عنه، فيما تعمد غل ان يسجل أحقية اردوغان في منصب الرئاسة لكونه زعيم الحزب واثنى على ما اعتبره تضحية وتنازلا عن طيب خاطر له بذلك المنصب، في اشارة واضحة الى أن غل لن يستغل المنصب الجديد ليقف في وجه اردوغان او ينازعه القرار، خصوصاً وأن كثيرين داخل الحزب عبروا عن خشيتهم من أن يؤدي وصول غل الى كرسي الرئاسة الى تصادم بينه وبين اردوغان، خصوصا في ما يتعلق بشؤون السياسة الخارجية التي اشار غل أكثر من مرة الى حرفيته في توجيه اردوغان بشأنها وستر اخطائه والعمل على تصحيحها. من جانب آخر، علمت"الحياة"من اوساط مقربة من المؤسسة العسكرية أن الجيش ليس مرتاحاً لإعادة غل ترشيح نفسه لمنصب الرئيس، لكن الجو الغالب على الجيش هو تأجيل المواجهة الى ما بعد الانتخابات وتعمد مقاطعة غل رئيسا، ومقاطعة حفلاته وزياراته الرسمية واحراجه من وقت لآخر. من جانبها انقسمت المعارضة الى قسمين، فأكدت المعارضة اليمينية القومية والكردية أنها لن تقاطع الانتخابات لكنها قد تطرح مرشحاً منافساً، فيما رفض"حزب الشعب الجمهوري"الاتاتوركي طلب غل للقاء زعيمه واعلن رفضه التام لهذا الترشيح ومقاطعته الانتخابات مجددا. ومن المفترض ان تبدأ الجولة الاولى لانتخاب الرئيس في البرلمان يوم 20 الشهر الجاري والتي يلزم لتمام نصابها حضور ثلثي النواب وهو ما بات مضمونا الآن. لكن على غل انتظار الجولة الثالثة التي تعقد يوم 28 آب اغسطس ليفوز حينها بأصوات نواب حزبه الذين يتجاوز عددهم ما يلزمه وهو النصف زائداً واحداً.