في الوقت الذي كان الأكراد قد تنفسوا الصعداء بفعل الموقف الأميركي الرافض لقيام تركيا بعمليات في كردستان العراق، وملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني فيها، وبفعل تأييد أميركي لإجراء الاستفتاء في كركوك، فاجأتهم إيران هذه المرة بتهديدها بملاحقة أكرادها معطيات غير رسمية تقول بان عدد أكراد إيران يبلغ 12 مليون نسمة اغلبهم من السنة وأكراد تركيا نيابة عن تركيا في داخل حدود كردستان العراق جبل قنديل الواقع على الحدود العراقيةالإيرانية وتحديداً بين سرد شت وقلعة دزة، وهي منطقة تابعة لعشيرة برا دوست الكردية العراقية، وكذلك منطقة سر كلي حاجي إبراهيم وإبراهيم شيلان وقنديلي بجوك، وهذه المناطق تأوي عناصر من حزب الحياة الحرة الكردية الإيرانية وبقايا مناصري حزب العمال الكردستاني. وبعيداً من البحث عن دوافع هذا الموقف من إيران، وفي هذا الوقت، فهو يحمل في طياته أكثر من سبب، ولعل أهمها: أولاً، إن إيران تعاني من نقطة ضعف هي الاحتقان الداخلي وملفات حقوق الإنسان وحقوق الشعوب العربية، الكردية، الآذرية. ثانياً، عدم وصولها مع المجتمع الدولي إلى صيغة تطمئنه وتطمئن جوارها في ملفها النووي. ثالثاً، التهديد الجدي من قبل أميركا بضربها بانتظار نتائج الحوار. بمعنى من المعاني، إن الموقف الإيراني الحالي والمفاجئ من الأكراد يوصف بانه نوع من سياسة الهروب إلى الأمام ونوع من الحروب الإستباقية. فإيران لا تملك أحقية اختراق الحدود كونها لا ترتبط باتفاق مع الحكومة الكردية أو العراقية بالسماح بمثل هذا العمل، ولأن الأكراد في السابق لم يعطوا الحق لأنفسهم باختراق الحدود الإيرانية للبحث عن جماعة"أنصار الإسلام"عندما هرب أفراد هذه الجماعة الإرهابية إلى داخل الحدود الإيرانية، خلال معاركهم مع البيشمركة، وعند قصف قوات التحالف مواقعها في الأيام الأولى لدخولها إلى العراق. دون شك، موقف إيران الجديد هذا لم يأت من الفراغ. فثمة صفقة تم إحياؤها من جديد بين إيرانوتركيا - بعد أن خيبت أميركا آمال الأتراك - وفحوى الصفقة ان إيران تقوم بمقاتلة حزب العمال الكردستاني، وفي المقابل تتجنب تركيا دعم الآذريين وترفض السماح لأميركا بأن تتخذ من الأراضي التركية نقطة انطلاق لضرب إيران إذا حدث. وثمة من يرى أن مرد هذا الحماس الإيراني للدفاع عن تركيا وقيامها بدلا من تركيا بتطهير المنطقة من عناصر حزب العمال الكردستاني تتعلق أسبابه أساسا بالعراق، وبالعملية السياسية العراقية وبالأميركيين كذلك، كون إيران لا تريد أن تخسر ورقة العراق من دون مقابل. لذلك تقوم باختراق حدود العراق ليقوم الأكراد بالدفاع عن حدودهم ويقوم بعض العراقيين بالدفاع عن إيران ويصبح الشرخ السياسي عنوان المرحلة كما تتعطل العملية السياسية وتبقى الفوضى مسلطة على رقاب العراقيين. في الحقيقة إن الأكراد في العراق أمام معادلة صعبة ومع هذا التطور الإيراني في الموقف من كردستان أصبحوا بين فكي كماشة. من جهة، اختراق إيران وحشود تركيا على الحدود، ومن جهة أخرى العملية السياسية في العراق التي يصرّ الأكراد على إكمالها مع شركائهم الباقين من العراقيين. ويبدو إن التطمينات الأميركية المتكررة للمسؤولين الأكراد بأن"حدود العراق خط احمر لا يمكن لأية دولة تجاوزه"لم تعد تخفف من قلقهم، خصوصا وان إيران لم تستخدم ورقة الحدود فحسب، بل تستخدم الورقة الداخلية أيضا. ولعل الرسالة الإيرانية ودعمها لعناصر"جيش المهدي"ودعم موقفها في كركوك والتصريح علنا بأنهم ضد أي تطبيع للأوضاع في كركوك، تضع الأكراد مرة أخرى في مواجهة مع المحيط الذي لا يستطيع التأقلم مع الحالة الكردية. المثلث العراقيالإيراني التركي أصبح رعبا لا يشعر به إلا من يعيش هناك، ولعل الأكراد مرة أخرى أصبحوا على مقصلة مصالح الدول الإقليمية وصراع هذه الدول مع المجتمع الدولي. والسؤالان: ألم يحن الوقت لأن تفكر إيران أو تركيا بان الأكراد هم شعب أصيل من المنطقة ومن حقهم العيش كسائر شعوب المنطقة؟ فما يحدث الآن في كردستان العراق أمر غريب، ولعل غرابته تكمن في ان إيران تقوم بعملية التطهير الشاملة بحجة ملاحقة عناصر من حزب الحياة الحرة الكردية الإيرانية الموالي لحزب العمال الكردستاني المتواجدة داخل حدود كردستان. وتهديد إيران بضربها لمواقع كردية موالية لأكراد تركيا وفي أراض كردية عراقية يثير أسئلة لعل أهمها: أهي خدمة فرضتها واجبات الجوار تقدمها إيرانلتركيا التي تحاور الاميركيين لمساعدتها في ضرب مواقع حزب العماال الكردستاني؟ أم هي مقايضة مع تركيا برفضها السماح للاميركيين باستخدام أراضيها لمراقبة البرنامج النووي الإيراني أو استخدام أراض تركية لضرب إيران إذا ما وقع؟ ثمة أسئلة أخرى تطرح. فهل فعلا إيران أجرأ من تركيا التي عززت قواتها على الحدود مع كردستان العراق، مع العلم إن تركيا عضو في الحلف الأطلسي وهي في المراتب الأولى من حيث النوعية، أم هي حرب إيرانية انذارية ووقائية، أو رسائل إلى أكراد إيران أو تهديد للقوى العراقية تترقب عقد مؤتمر السلام بعد الأيام؟ أم هي رسالة نارية إيرانية لأميركا؟ يرى الأكراد ان هذا التهديد يحمل أكثر من رسالة فحواها يعرفه أصحابها فقط، كن لا احد ينفي ا هذا الفعل هو نتيجة تخبط إيران وتأزمها مع المجتمع الدولي، وليس محتوما على الأكراد الذين كانوا قد اخذوا حذرهم منذ تسلم احمدي نجاد زمام السلطة لانه يملك تجربة مرة مع الفصائل الكردية الإيرانية، وهو متهم بأنه وراء اغتيال قاسملو رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني السابق، في فيينا وهم ليسوا مستعدين التحمل تخبطات إيران. ثمة من يرى ان إيران هي التي تبادر في فتح النار على نفسها، وكان من المفترض تجنب مثل هذه العملية تبعا لظروفها الدولية والداخلية، وهي اليوم أمام التحدي الكردي هي تقوم بعمليات في المناطق التي يتواجد فيها الأكراد وعناصر حزب الحياة الحرة. فهل إيران بحاجة لمثل هذه الأعمال وهي تئن من ضغط الدولي وتتهم بالتدخل في الشؤون العراقية؟ الم يكن مطلوبا أن تتعامل إيران مع الوقائع بمنظار آخر؟ * كاتب كردي سوري.