رحلت أمس نازك الملائكة، الشاعرة الرومنطيقية الحقيقيّة في أدبنا العربي... كانت نازك الملائكة نموذجاً متفرّداً لما يُعرف بالرومنطيقية في الآداب العالميّة والتي كان جلُّ عطائها الشعري متماهياً بالروح ذات الوهج"الملائكيّ"والنغمات التي تُذكّر ب"ووردزورث"وپ"شيلر"وپ"بايرون"وپ"لامارتين"في الشعر العالمي. أولئك هم آباؤها ولا أبوّة لها في الشعر العربي. كما أن نازك الملائكة لم يكن لها أبناء في شعرنا المعاصر، هكذا فقد أدار شعر الحداثة العربي ظهره هو الآخر عن تجربتها المتميزة وظلّت حاضرة ربما في نصّها النقدي. ترى هل هو زهدُها الشخصي في إرتقاء المنابر وتعبئة الحشود والمريدين، أم كونها إمرأة، أم أنّ السبب يكمن في خصوصيّة نصّها الشعري الذي لا يقبل التقليد من ناحية ويمتاز بحصانة أدبيّة قَلَّ نظيرُها. هي"عاشقة الليل"التي عاشت في"قرارة الموجة"، تستفيء في ظل"شجرة القمر"، لتكتب"مأساة الحياة وأغنية الإنسان"قصائد وأغاني، مقاطع ملتهبة"شظايا ورماد". تواصل الحياة والعمل بعُلوٍّ وتجرّد وكأنها في سيرورة"للصلاة والثورة". هكذا تمضي في مسيرتها الشعرية الحياتية، في هامشها المضيء اللامتناهي، في منطقة النصّ الشعري الخالص حتى"يغير ألوانه البحرُ". ليست أهمية نازك الملائكة كما اعتاد النقّاد والجمهور الحديث عنها في قصيدة"الكوليرا"عام 1947 في كونها أول نص شعري"حر"ولا في نقدها الأدبي الذي تمثل في كتابها المعروف ولكن في كونها رائدة الرومانطيقية الشعرية العربية بمعناها الفلسفي والرؤيوي فهي الأولى التي خلطت حلم الموت بالحياة في نسيج رؤيوي لغوي موسيقي لم يعرفه قط شعرنا العربي المعاصر. تلك حداثتها التي لم تتكرر. أما نازك المرأة الشاعرة فقد رحلت عن الحياة الثقافية قبل رحيل جسدها، وكانت تضيء في عزلتها"المقهورة"وليست"القاهرية"التي إختارتها ملجأً صامتاً حتى الشهادة: "أين أمشي؟ مَلَلْتُ الدروب، العدوّ الخفيّ اللجوج لم يزل يقتفي خطواتي، فأين الهروب؟" لعلها اليوم وجدت طريق الخلاص. * الكلمات بين قويسات هي عناوين دواوينها الشعرية.