للمرة الأولى في تاريخ باكستان، يتعاظم عدد الأحزاب الدينية ومؤيديها، وتصبح العمليات الانتحارية ظاهرة مألوفة ويومية. ووسع المتطرفون مناطق نفوذهم خارج منطقة القبائل، وفي مناطق حضرية مثل كراتشي وإسلام آباد وتانك. وتتستر الميليشيات بالمدارس الدينية، بعد 11 أيلول سبتمبر 2001. وفي مقدور المسلحين، اليوم، خطف رجال الشرطة تحت تهديد السلاح، في قلب العاصمة الباكستانية، إسلام آباد، على بعد ميل واحد من المحكمة العليا والبرلمان. ويتحمل الجنرال برويز مشرف ونظام حكمه، المسؤولية عن هذه الحال. فهو تغاضى عن هذا كله. ولم يبن الديموقراطية الحقيقية التي وعد ببنائها في 1999 غداة انقلابه. وأضعف القوات المسلحة، وزور الانتخابات، وضيق الخناق على حريات الرأي والإعلام. وأخفق في إجراء تحقيق نزيه في أسباب اختفاء كثر من الأبرياء، الى اضطهاده معارضيه السياسيين، وولوغه في الاعتداء على أرواحهم وأجسادهم. وفي أيار مايو الماضي قتل 48 من المواطنين والمحامين والمعارضين لحكمه في كراتشي، حين تظاهروا منددين بقراره غير القانوني وقف عمل كبير القضاة. فعمدت حركة المهاجرين القومية، الحاكمة في إقليم السند وحليفة النظام، على فتح النار بوقاحة على المواطنين العزل. وهاجم أنصار الجنرال مشرف محطات التلفزة المستقلة، وقادة المعارضة، جزاء مطالبة المعارضة بلجنة تحقيق مستقلة في أمر الشرطة بالفرجة، بينما يقتل مواطنون تحت نظرها. وتغذي ديكتاتورية الجنرال مشرف عدم الاستقرار في البلاد. فالمواطنون الفقراء لا يمثلهم أحد في الحكم، فلجأوا الى الجماعات المتطرفة والاحزاب الدينية، وأوكلوا تمثيلهم إليها. وتلبي الأحزاب هذه احتياجاتهم من الملبس والمطعم والمسكن لقاء ولائهم لها، وانقيادهم لزعمائها. ورخص الحكم للمدارس الدينية بموجات إذاعية يبثون عليها دعاويهم وتحريضهم. وهذا انزلاق خطير نحو تغليب التنافر في باكستان الحديثة على الوئام. وفي ضوء هذه المخاطر، يشيع قول إن عودة الديموقراطية الحقيقية، من طريق انتخابات حرة ونزيهة، هي باب الخلاص الوحيد أمام باكستان، وطريق العودة الى نبذ التطرف. والحق أن أكثر من ثلثي الباكستانيين هم من الليبراليين الذين يرون في التطرف القادم من مناطق القبائل خطراً على باكستان نفسها. والإيحاء بأن الإطاحة بنظام مشرف مأساة، هو تضليل محض. فحكومة الجنرال مشرف من غير هدف تهتدي به. والسعي في الاستقرار للبلاد لا يقتضي السعي في استقرار النظام الحاكم. فهذا النظام يقوض الاستقرار، ويغذي التطرف في البلاد، وينفع في العنف الديني والعرقي، ويتوسل بذلك الى البقاء في السلطة. ولعل السبب في بقاء أسامة بن لادن طليقاً، بينما تسرح"طالبان"وتمرح في مناطق القبائل، هو حاجة مشرف الى التلويح بالخطر الاسلامي الأصولي، وباستيلائه على السلطة في حال نحي عن الحكم. والنظام الحاكم في باكستان يدعي أن الساسة الباكستانيين فاسدون وفاشلون. ولكن الشعب الباكستاني لا يوافقه الرأي. وتهمة الفساد والرشوة محاولة من النظام لتحويل الأنظار عن الفساد المقنن الذي ترعاه المؤسسة العسكرية الحاكمة. وحمل مشرف على البدء بعملية ديموقراطية حقيقية هو الخطوة الأولى على طريق المسار الديموقراطي. فوحدها الديموقراطية قادرة على إضعاف التطرف في باكستان، وإعطاء الأمل للشعب الباكستاني. والبرهان هو انتشار المدارس الدينية السياسية، والعنف المسلح، طوال السنوات الثماني من عهد الديكتاتور مشرف. عن بينظير بوتو رئيسة الوزراء الباكستانية سابقاً، "دايلي تايمز" الباكستانية، 10/6/2007