تجلس سارة 19 عاماً في غرفتها الواقعة في أبعد ركن في البيت متمركزة أمام شاشة الكومبيوتر المحمول الخاص بها. لقد حصلت عليه كهدية قدمها اليها والدها الذي يعمل في إحدى دول الخليج، لمناسبة نجاحها في امتحانات الثانوية العامة في الصيف الماضي. تبدأ هذه الجلسة الليلية يومياً بعد منتصف الليل بقليل ولا تنتهي إلا حين يبدأ ضوء النهار في التسلل إلى السماء. سارة مصرية عاشت سنوات طفولتها ومراهقتها الأولى متنقلة بين دول عربية تبدلت مع التغيّر في عمل والدها. وعادت إلى مصر، لتستكمل تعليمها الثانوي، واقامت مع جدتها. ترتدي سارة الحجاب منذ كانت في أواخر المرحلة الابتدائية، وذلك لأن كل زميلاتها كن يرتدينه. وفي البداية، اعتادت سارة أن تتخلى عن حجابها أثناء زياراتها الصيفية للقاهرة. ومع مرور السنين، انتهج والدها خطاً دينياً أكثر صرامة. وبات يمنعها من خلع الحجاب حين تعود صيفاً إلى مصر. وعندما استقرت في القاهرة، التحقت بمدرسة للفتيات. وحين حصلت على الثانوية العامة، أجبرها والدها على الالتحاق بكلية البنات لأنها"غير مختلطة". متنفس إلى عالم الحرية تعتبر سارة جهاز ال"لاب توب"الخاص بها متنفسها الوحيد إلى عالم الحرية. وعلى رغم تأكيدها أنها لم ولن تفكر يوماً في اختراق"الخطوط الحمر"، تلاحظ أن تلك الخطوط فضفاضة تتفاوت بين شخص وآخر. وليس لسارة صداقات"واقعية"مع أبناء"الجنس الآخر"، ولكنها كونت صداقات"افتراضية"مع عدد منهم عبر الإنترنت وغرف"الدردشة". وتقسم سارة بأغلظ الأيمان أن الأمر لا يتعدى مجرد الدردشة العادية، وإن كانت لا تنكر أن كثيرين حاولوا نقل هذه الصداقة"الافتراضية"إلى ارض الواقع، ولكنها رفضت. وبعد إطراق عميق وتفكير، تقول وكأنها تفصح عن سر عسكري:"بصراحة قابلت شاباً عرفته عن طريق"الشات"قبل أشهر". وبعد مزيد من الضغط ووعود بعدم كتابة اسمها الحقيقي، تعترف سارة بأنها ما زالت على علاقة بهذا الشاب الذي تعدى مرحلة الافتراضية ودخل حيز الواقع. وبمناقشة سارة في هذه العلاقة التي تردد انها ستتوج بالخطوبة والزواج، تُشير إلى إن الإنترنت منحها الفرص التي حرمت منها بسبب المجتمع المغلق. وتوضح أن دائرة معارفها وأقاربها ودراستها لا تتيح لها التعرف إلى الجنس الآخر بأي صورة من الصور. كما أن الحظر المفروض عليها في مواعيد الدخول والخروج، إضافة الى عدم ارتيادها أماكن الترفيه أو حتى الرياضة، حيث يُفسح المجال أمام أنواع مختلفة من التعارف، جعلاها تشعر بأن الكومبيوتر والإنترنت هما عبير الحرية الذي تستنشقه من داخل غرفة نومها المغلقة. وفي المقابل، تبدو سيرين 20 عاماً تتنفس عبيراً أكثر طبيعية من ذلك المتاح لسارة. وعلى رغم ذلك، فإنها تشعر بإمتنان للإنترنت باعتبارها نافذة غير قابلة للإغلاق على الصورة المُلوّنة للحياة. كما تعتقد أن الحجاب، بغض النظر عن سبب ارتدائه، يفرض على صاحبته منظومة معينها من التصرفات، على الأقل حين تكون تحت أعين الآخرين. وتشمل هذه التصرفات القول والفعل والصورة العامة التي تقدمها المحجّبة باعتبارها وجهاً لتعاليم وعقيدة بعينها، ما يفتح الباب أحياناً أمام مناقشة الدور الذي يلعبه الإنترنت في كسر هذه المنظومة، أو على الأقل تطعيمها بعناصر، لا تنسجم بالضرورة مع الصورة الذهنية الكلاسيكية عن الأنثى المحجبة. ترتدي سيرين الحجاب باختيار شخصي مع قناعة قوية به. وحاولت والدتها غير المحجبة أن تثنيها عن عزمها بحجة أنه"لسة بدري على الحجاب"، لكن سيرين نالت ما أرادت. وقد حصلت على شهادة"الديبلوما"الأميركية من مدرسة دولية مختلطة. والتحقت بجامعة خاصة مختلطة أيضاً في القاهرة. كما أنها ترتبط بعلاقة عاطفية مع زميل لها، من عائلة تربطها علاقة صداقة مع عائلة سيرين. وبمعنى آخر، فإن الإنترنت لا يقدم لسيرين بديلاً من"علاقة ممنوعة"مع الجنس الآخر، لأنها تمتلك تلك العلاقات فعلياً. توضح سيرين أن"الإنترنت تُقدّم لي فوائد وقيماً أكثر عمقاً... تُقدّم لي القدرة على التعبير عن كل ما يجيش به صدري من مشاعر وأحاسيس قد يعتبرها البعض"جنوناً"أو"تفاهة"أو"بجاحة"أو رفضاً غير مقبول لقواعد ومبادئ ثابتة في مجتمعنا". وتحتفل بمرور عامين على المدونة"البلوغ"Blog الخاصة بها هذه الأيام. "بروفيل"لإناث الانترنت تقول إنها تضع في مدونتها افكارها الخاصة عن النظام السياسي في مصر، والذي لو قرأه والدها ذو المنصب الحكومي الرفيع لوقع مغشياً عليه! كما تكتب ساخرة من النساء المتصابيات، من ذوات العقول الفارغة، واللاتي لا يشغل بالهن سوى عمليات التجميل وكريمات محاربة الطبيعة والتي لو قرأتها والدتها"المتصابية"لتبرأت منها أيضاً! وتكتب سيرين عن خلافاتها الجوهرية مع من تحب حول كراهيتها للوساطة والمحسوبية، وعن حلمها بمحو الفروق بين الأغنياء والفقراء والتي لو عرفها خطيبها لطالبها بالعدول عنها فوراً! تقول:"أعيش في مدونتي سيرين الحقيقية، وليس ابنة الرجل المهم وسيدة المجتمع وخطيبة ابن رجل الأعمال الثري... كما أن حجابي دائماً ما يضعني في نظر كثيرين في فئة"الفتاة المطيعة المنكسرة الضعيفة"، وهذا ليس حقيقياً، ولكني لا أستطيع مناطحة طواحين الهواء". وفي ظل ندرة أو بالأحرى غياب الإحصاءات عن نسبة الإناث بين مستخدمي الإنترنت، وبالطبع حول نسبة صاحبات المدونات في مجتمع المدونين"فإن دراسة عنوانها"بروفيل مستخدمي الإنترنت في مصر"تشير إلى أن نحو ثلث مستخدمي الشبكة الالكترونية في بلاد النيل إناث، كما تشير إلى أن 85 في المئة من السيدات والفتيات المصريات يرتدين الحجاب بأنواعه وأشكاله المختلفة. وفي المقابل، يبقى احتمال تردد فتاة ما، وخصوصاً سيدة محجبة، على مقهى للإنترنت ضعيفاً جداً. ولا تمنع تلك الاحصاءات ما تراه العين أحياناً، من حضور سيدة ترتدي خماراً طويلاً في مقهى إنترنت، فيثير وجودها غالباً حيرة وقلقاً من صاحب المقهى ورواده من الشباب والمراهقين على حد سواء. وفي لقاء مع إحدى المُحجبات ممن يرتدن أحياناً مقاهي الانترنت، قالت إنها تستخدم تلك الأماكن في سياق دراستها، وسعيها للحصول على درجة الماجستير، وانها في حاجة دائمة للاطلاع على مواقع مختلفة وطباعة الأبحاث منها. وأقرّت بأنها لا تُعلِم زوجها دوماً بتلك الزيارات. وأضافت السيدة أنها"تحترم رغبة زوجها ورأيه الذي لا يتزعزع في الإنترنت وما تحمله بين طياتها من موبقات ورذائل ومحرضات لا أول لها ولا آخر، وهو ما دفعه إلى رفض إدخال خدمة الاتصال بالإنترنت إلى البيت، لا سيما أن لديهما طفلين ويخافان عليهما من مغبة الشبكة العنكبوتية. وتوضح أنها وجدت نفسها واقعة بين شقي الرحى. فمن جهة إن مسألة حصولها على الأبحاث من على الشبكة أمر حتمي في دراستها، ومن جهة أخرى، فإن الاتصال بإلانترنت من البيت أمر غير وارد، بل لا يفوتها أن تكرر مراراً وتكراراً أنها شخصياً تناهض إدخال الإنترنت البيوت"المحترمة"! لذا، فكرت في اللجوء إلى مقاهي الإنترنت. وتضيف بفخر أنها استفتت في ذلك أحد الشيوخ الذي أفادها بأنه ليس عليها حرج في ذلك، إلا أنها لم تستفته في مسألة عدم علم زوجها بترددها على مقاهي الإنترنت! الزواج من"فتيات الشبكة العنكبوتية"ومحجباتها! نموذج آخر لاستخدام الإنترنت تقدمه صحافية محجبة تعمل في مكتب جريدة أجنبية في القاهرة، إضافة إلى عملها الذي يعتمد في جانب كبير منه على الإنترنت. وتعتبر من الشخصيات البارزة في العديد من المجتمعات العنكبوتية"بل تعتبر من ناشطي الانترنت. وتشارك في النقاشات السياسية، وكثيراً ما تعبر الحدود بين الافتراضي والواقعي، فتُشارك في تظاهرات تنظمها حركات سياسية مثل"كفاية". تقول:"لا أدري الفارق بين استخدام فتاة وسيدة محجبة أو غير محجبة للإنترنت... هناك استخدام هادف وآخر غير هادف... لست ضد استخدام الشبكة الالكترونية لأغراض ترفيهية أو اجتماعية، ولكني لا أحترم من يستخدم الإنترنت ذكراً أو أنثى، ليستغل فرصة"التجهيل"ليشتم أو يسب أو يوقع بالآخرين في مشاكل أو مصائب". ورغم ذلك تعترف بأن الشبكة العنكبوتية تمنح النساء والفتيات مصرياً وعربياً متنفساً للخروج من أسر القيود المجتمعية المفروضة عليهن لأسباب خاصة بالعادات والتقاليد"التي هي بالية في الكثير من الأحوال والتي تعتمد على المظاهر على الرغم من أن الباطن قد يكون كارثياً". ومن الطريف أن أحد المنتديات على شبكة الإنترنت انشغل، خلال الأسابيع الماضية، بنقاشات حامية بين مؤيد ومعارض ومندد وشاجب ومهلل لما أسماه أعضاء المنتدى ب"تفشي ظاهرة فتيات الإنترنت""وكأنهن على غرار"فتيات الليل والهوى"وما شابه. المفارقة أن المناقشات تطرقت إلى تحديد سمات تميّز شخصية فتاة الإنترنت، فإذا بها تلك الفتاة التي تقبل على نفسها أن تدخل ساحة حوار عنكبوتي، فتعلق على كلمات هذا، وتشكر هذا على إطرائه لما كتبت، وتضحك على نكتة قالها ثالث، وهكذا! ووصل الوضع المضحك الى ذروته مع سؤال طرحه أحدهم وفتح حواراً أشد سخونة:"هل تقبل الزواج من فتاة إنترنت ولو كانت... محجبة؟"