تشير إحصاءات معظم الجامعات في لبنان الى ان نسبة التحاق الطالبات بالجامعة تتجاوز في احيان كثيرة نسبة الطلاب الذكور وقد توازيها في بعض الاختصاصات التي كانت تعتبر حكراً على الطلاب. وإذا كانت الجامعة بتعريف إدارتها مرآة المجتمع، فإن الحجاب واحد من الظواهر المتنامية خارج الجامعات وداخلها بتنامي عدد الفتيات الملتزمات دينياً وسياسياً. ظاهرة الحجاب في لبنان قد تكون اكثر حضوراً في الجامعة اللبنانية وتحديداً في الفروع الأولى في مناطق ما كان يعرف اثناء الحرب ببيروت الغربية، وفي فروع الجنوب اللبناني والشمال والبقاع مع استثناءات نادرة في الفروع الثانية او ما كان يعرف ببيروتالشرقية. وهذه الظاهرة حاضرة وبقوة في جامعة بيروت العربية، لكن اللافت ايضاً تناميها في الجامعات الأجنبية ومنها الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة الأميركية - اللبنانية وفي بعض كليات جامعة القديس يوسف. في هذه الجامعات يبدو الحجاب نقيضاً مع ما حوله. فقد تجد ثلّة من الطلاب أسدلوا شعورهم الى ظهورهم وطالبات غرزن الحلق في انوفهن وبطونهن الظاهرة من تحت السترات المختصرة جداً، وحتى في ألسنتهن وحواجبهن الى جانب مظاهر العصرنة الأخرى التي تستتبع بالضرورة انماطاً اخرى من التفكير والسلوك المتناقضة حكماً مع تلك التي تحملها الطالبات المحجّبات ويمارسنها. ثمة من يعتبر ان تعثر الموجة التي كانت تُنظّر لتحرّر النساء نتيجة انكفاء الأحزاب العلمانية وتنامي الحركات الإسلامية واستمرار الصراع الطائفي والمذهبي الصامت وانهيار الوضع الاقتصادي والتحوّل نحو مجتمع تستهلك فيه انماط حياة غربية، كل هذا وضع النساء امام حال من اللإاستقرار الداخلي دفع ببعضهن الى اللجوء الى الحجاب بحثاً عن الطمأنينة. وتقول الطالبة دانيا هاشم 19 سنة - سنة ثانية إدارة أعمال في الجامعة الأميركية "تحجّبت قبل اربع سنوات، كان اهلي يعارضون هذه الخطوة على رغم إيمانهم. أحسست ان الحجاب يوفّر لي سهولة في التعامل مع الآخرين الذين اريد منهم ان يعاملوني كإنسان لا كفتاة". أما زينة الشوّا 19 سنة - سنة اولى تربية في الجامعة الأميركية فهي تعتبر الحجاب "واجباً يساعدني على احترام الآخرين لي وأجد فيه راحة كنت افتقدها". لكن عبير فولادكار 21 سنة - سنة ثالثة كيمياء وهالة عيتاني 20 سنة - سنة ثانية كيمياء في الجامعة الأميركية - اللبنانية جاء حجابهما تقليداً لحجاب والدتيهما، وهو الى كونه التزاماً دينياً، يحمي من "المضايقات" التي تصادفانها في المجتمع، "ويرسم حدوداً للآخرين لا يمكنهم تخطّيها". وهذا الحذر الذي يواجهن به الآخرين ولا سيما الجنس الآخر، قد يكون نابعاً من تربية بيتية محافظة أضيفت اليها تربية مدرسية غير مختلطة، وإذ تعترف معظم الفتيات بأنهن لم يملكن الثقة بالنفس إلا مع ارتداء الحجاب، فإن لهذا الحجاب شروطه في التعامل مع الآخرين ومع ما تتيحه الجامعات من نشاطات مختلفة. تسجل الفتيات تفاوتاً في التعامل معهن من جانب زملائهن، ذكوراً وإناثاً، فاستغراب الحجاب هو مفتاح الحديث عن ملابساته والنقاش لا ينتقل عادة الى مرحلة اقناع الآخر انما يتم التعامل معه كأمر واقع، خصوصاً اذا كان المشاركون في النقاش من بيئة دينية واحدة. لكن بعض الفتيات تحدّث عن انتقادات لاذعة كنعت المحجّبات مثلاً بپ"نينجا" من بعض الطلاب، او التعرض لمضايقات من اساتذة لديهم مواقف مسبقة من الحجاب كونه التزاماً سياسياً ودينياً. وتقول دانيا "الحجاب لم يمنعني من المشاركة في أندية الجامعة. فأنا عضو في نادي حقوق المرأة ومن نشاطاتنا اقامة معرض عن صورة المرأة في الإعلان أثرنا من خلاله سؤالاً: لمن يتم الترويج للمرأة ام للسلعة؟". وتضيف: "كوني محجّبة يحتم عليّ ان ابذل جهداً مضاعفاً. فالآخرون يعتقدون ان المحجّبة فتاة منغلقة على نفسها وشخصيتها ضعيفة، وعليّ في المقابل ان اثبت العكس. فأنا لم أعد امثّل نفسي كفرد، انما مجموعة. صحيح اني لا اصافح، لكنني اجلس في الكافيتيريا مع رفاقي الشباب والبنات، انما حجابي يفرض نمطاً من الأحاديث ربما كان اختلف لو كنت غير موجودة". ومع ذلك تعترف دانيا ان اكثر رفاقها في الجامعة هم من الشبّان "لأنهم الاكثر انخراطاً في النشاطات الجامعية". اما زينة فإنها تترك للحجاب ان يرسم لها حدود حريتها وسقفها عدم ايذاء الآخرين. فهي لم تعد تحب الخروج مع رفاقها الى المطاعم والسهرات "لأنني لم اجد نفسي في امكنة كهذه"، ومع ذلك تؤكد انها لا تعزل نفسها عن الآخرين على رغم ان خمسة في المئة ممن تصادفهم في حياتها "عدائيون ومتطرفون". عبير لا تشارك في النشاطات الرياضية في الجامعة ويقتصر نشاطها اللامنهجي على المناسبات الدينية غير السياسية "لأن النشاطات الدينية السياسية ممنوعة في الجامعة". وتقول "كان ثمة مصلّى في الجامعة لكن الإدارة هدمت المبنى الذي يضمه، وبتنا نصلّى في الجامع القريب من الجامعة او ننتظر حتى الذهاب الى منازلنا". زينة الصغير 21 سنة - سنة ثالثة إدارة اعمال في الجامعة الاميركية - اللبنانية لم تمرّ سنة على ارتدائها الحجاب، تعرفت اليه من بيت جدها، فهي عاشت في افريقيا مع اهلها حتى عودتها الى لبنان لدخول الجامعة. وتصف الحجاب بپ"الزينة" وتعتبره حلاً لمضايقات الشارع، لكنه لا يمنعها من المشاركة في كل نشاطات الجامعة. اما العلاقة مع زميلها الشاب فهي "علاقة صداقة فكرية اذا كان ملتزماً، اما غير الملتزم فلا مكان له". سلوى فاضل 31 سنة - ماجستير فلسفة في الجامعة اللبنانية ترفض هذا الفصل في العلاقة بين الشباب الجامعي، وتعتبر "ان الحجاب فكرة حضارية لا تقليدية"، وبالتالي ترفض ان تتعاطى الفتاة المحجّبة مع الشاب وكأنها اضعف منه "فهي بذلك تفرض نفسها كأنثى وكعنصر إغراء، فالشاب حتى لو كان ملتزماً يفكر في ما بعد حجاب الفتاة، فيما الفتاة المحجّبة لا حل وسطاً لديها. فإما ان يكون الشاب عريساً وإما لا يكون بالمطلق. ومعظم الفتيات من هذا النوع لا يرغبن في التفكير لاستنباط علاقة واقعية غير مثالية. انهن ببساطة يكتفين بالأجوبة الجاهزة، على عكس الشاب الذي تخطى المراحل التقليدية في حياته وأصبح ممتلكاً حريته. والصداقة مع هذا الشاب افضل من صداقة الفتاة لأن الفرص المتاحة امامه تجعله يستخدم عقله في شكل افضل وتتيح للفتاة الإكتساب منه اكثر". وتعتقد سلوى "ان ظاهرة الطالبات المحجّبات محاولة للخروج على السلطة الأبوية. فالحجاب يعطي الفتاة حرية الحركة حتى في الليل، لكنه لا ينهي الصراع مع القيود...!".