لم يتوقع خالد مشعل ان يضطر الى التعاون مع "فتح"، ليس في غزة وانما في لبنان. ولم يتوقع ان يجري، من مكان اقامته في دمشق، محادثات مع رئيس الحكومة اللبنانية. ولكنه، ادرك، الثلثاء في 22 الشهر الجاري، ان لبنان هو ساحته السياسية، ومن الأفضل له ان يرسل ممثلاً عنه الى هناك، هو أسامة حمدان، ليجلس مثل الولد المعاقب الى جانب ممثلي"فتح"في لبنان، عباس زكي، والفصائل الفلسطينية الاخرى. وبدا ان"حزب الله"ساخط عليه، لأن القيادة الفلسطينية في لبنان لم تنجح في لجم الأزمة. فوقعت المسؤولية عن تفاقم الأزمة على عاتق سورية وپ"حزب الله"، بينما يسعى الحزب في الظهور في مظهر الطرف المستقل، والبروز في صورة تنال استحسان اللبنانيين قبيل تشكيل المحكمة الدولية لمقاضاة المتهمين باغتيال رفيق الحريري. وكان ابتداء الأمر سوء تصرف. فمطاردة قوى الأمن المسلحين الذين لجأوا الى منازل في طرابلس احتموا بها، ومهاجمة المنازل حصلتا من دون تنسيق بين القوى هذه والجيش اللبناني المرابط على مداخل مخيم نهر البارد. ويقضي الاتفاق بين الحكومة اللبنانية والمنظمات الفلسطينية بمرابطة الجيش على أبواب مخيمات اللاجئين، والاقتصار على مراقبة الداخلين اليها والخارجين منها. ولم يعلم الجيش اللبناني بالهجوم الأمني في طرابلس، وبلغه الامر على نحو دائم. فنيران القناصة والقنابل والمدافع الفلسطينية قتلت عدداً من جنوده، وجرحت آخرين. ومذذاك تطورت المطاردة الى ما يشبه الحرب. وحدد الأمين العام لپ"حزب الله"، السيد حسن نصرالله، رأيه في حوادث المخيم ومدينة طرابلس، في ضوء ثلاثة معايير. الأول هو وشك بت الاممالمتحدة في انشاء المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري. فلما كان نصر الله ينسق معارضة المحكمة مع سورية يستحسن الا يظنن أحد ان المنظمات الفلسطينية هي شريكته، وشريكة سورية، في جبهة واحدة. والثاني هو القراران الدوليان 1559 و1701. ويطلب القراران نزع سلاح الميليشيات. وكان نصر الله أفلح في كف يد الحكومة اللبنانية، وانتزاع اقرار منها بأن الحزب ليس مثل سائر الميليشيات المسلحة، وأن سلاحه هو في خدمة المقاومة والدفاع عن لبنان، فلا يشمله التجريد. ونظير هذا، يرضخ الحزب لنزع سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات دون السلاح داخلها وهو للدفاع عن النفس. ويخشى نصرپالله من ان تثبّت الحكومة قدميها، وتتمكن من نزع سلاح الفلسطينيين داخل المخيم، فيعزز هذا قوة الدولة، وقد يحملها على تجديد المطالبة بتجريد الحزب من السلاح. والمعيار الثالث يتصل بتنكر سورية لپ"فتح الاسلام"ومحاولتها، التي قد تكون صادقة، اظهار معارضتها ما يحصل. فعلى هذا، سارع نصر الله الى ادانة ما قامت به المنظمة، والى دعم الجيش اللبناني. ولعل هذه الواقعة مرآة الاحوال المعقدة التي يواجهها نصر الله في لبنان. فهو يريد اظهار دعمه الفلسطينيين، ومعارضته الحكومة. ويريد، في آن، صون كرامة الجيش اللبناني، وشجب اندلاع نزاع فلسطيني في لبنان. فمثل هذا النزاع، اذا اندلع، يحرج القيادة الفلسطينية في لبنانودمشق معاً. فالسيطرة على شراذم تنظيمات امر مستحيل في اطار المخيمات. وفي الاثناء، تعاني كبرى المنظمات، مثل"فتح"وپ"حماس"شح الموارد المالية، بينما تبذل المنظمات الأخرى بسخاء المال الىتي من منظمات أصولية في العراق. ويقوي هذا الوضع الحكومة اللبنانية التي تبدو، اليوم، قادرة على نزع جزء من سلاح المخيمات. ولكن الحكومة اللبنانية نفسها غير غافلة عن حدود. فهي عاجزة عن خوض صراع مسلح في نهر البارد، من غير ان يؤدي الى اشتعال العنف في المخيمات الأخرى. والمحصلة هي ما اعتاده لبنان، أي تسوية غير متماسكة لا تحول دون نشاط المنظمات الصغيرة شرط محافظتها ظاهراً على هدوء شكلي. عن تسفي برئيل ، "هآرتس" الاسرائيلية، 25/5/2007.