ثمة ادعاء يزعم أن اسرائيل، في أعقاب حرب لبنان الثانية، خسرت موقعها بواشنطن قوة استراتيجية. ولا شك في أن الولاياتالمتحدة خيبها الأداء الاسرائيلي العسكري الضعيف، والفشل في انجاز حسم واضح وسريع في الرد على "حزب الله" فهي توقعت أن تكون الانجازات الاسرائيلية، على خلاف تعثرها هي في العراق، قاطعة وسريعة. وتوقع أصحاب القرار بواشنطن أن يسهم النصر الاسرائيلي الحاسم في تقوية مكانة الولاياتالمتحدة بمناطق أخرى من الشرق الأوسط، مثل العراقوايران وافغانستان والمناطق الفلسطينية. ولكن الاخفاق في لبنان أدرج في باب الاخفاقات الأميركية الاقليمية. والحق أن الولاياتالمتحدة، على رغم أنها لم تكن المبادرة الى الحرب على لبنان، كانت مصلحتها فيها غير خفية. ولا معنى لفصل الحرب عن حوادث الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة، ولا عن الاستراتيجية التي خططت الولاياتالمتحدة لها في حربها على الارهاب العالمي، منذ هجمات 11 ايلول سبتمبر. فعلى المدى القريب تبنت ادارة الرئيس بوش استراتيجية ردع قوامها العقاب والحرب الوقائية. وظهر العقاب في استخدام القوة العسكرية ضد أنظمة أيدت وحمت التنظيمات الارهابية، وأولها نظام طالبان بأفغانستان. وأما الحرب الوقائية فأدت الى اسقاط نظام صدام حسين في العراق، بذريعة تطويره أسلحة دمار شامل من شأنها أن تقع بين أيدي منظمات ارهابية قد تستخدمها في مهاجمة أهداف أميركية بأميركا وخارجها. وهذه الاستراتيجية أخفقت على الجبهات المهمة في الشرق الأوسط: العراقوايران وسورية والسلطة الفلسطينية. فلم تردع أحداً، لم ترس أركان الديموقراطية، وتعاظمت قوة"محور الشر". وعلى هذا، لم تكن حرب لبنان واقعة محلية ولا موضعية. فترتبت عليها نتائج الجبهات الأخرى كلها، وعلى الحروب التي تخوضها الولاياتالمتحدة. و"حزب الله"جزء راجح من محور الارهاب السياسي والاقليمي، بين المتوسط وآسيا الوسطى وأهاب التعثر الأميركي في العراق، بالمتطرفين، ونفخ في أشرعتهم. وحمل ايران على الاستخفاف بجهود الدول الكبرى في سبيل منعها من الحصول على السلاح النووي. ولا ريب في أن الانسحاب الأحادي الاسرائيلي من غزة أدى الى فوز"حماس"، ولكن انتصاراً اسرائيلياً في لبنان كان من شأنه التأثير المعاكس في المتطرفين وإحباطهم. والحرب على لبنان نشبت في توقيت دقيق للولايات المتحدة على أربع جبهات. فصادف ابتداؤها عشية انتخابات الكونغرس النصفية وكانت ادارة بوش على وشك تلقي لطمة، جراء شعور الأميركيين أن الحرب على العراق لم تؤد الى انجاز وينبغي تالياً الفراغ منها، واعادة الجنود الى وطنهم. وكان في مستطاع بوش التذرع بالانتصار الاسرائيلي لو جاء على ما يشتهي، ليثبت وجاهة القوة العسكرية في اخضاع المتطرفين الارهابيين، ولكن الفشل الاسرائيلي ولد انطباعاً مخالفاً. وكانت له مفاعيله في العراق. وحاز الديموقراطيون نصراً في انتخابات المجلسين. والوجه الآخر لدقة التوقيت يتصل بالمفاوضات بين ممثلي الاتحاد الأوروبي وبين ايران على المسألة النووية. فالحرب كشفت عن حجم تهديد ايران غير المباشر لاسرائيل. وكان الفوز العسكري الساحق أسهم في إنشاء ائتلاف بين دول عظمى وأخرى اقليمية بوجه مطامع الهيمنة الايرانية. وقلص الأداء الاسرائيلي الضعيف الفرصة هذه. فالفشل العسكري عزز قوة"حماس"فباشرت، بذريعة وقف اطلاق النار إنشاء بنية تحتية على غرار"حزب الله". وفي لبنان كانت هزيمة"حزب الله"لتقوي حظوظ الحكومة اللبنانية القريبة من الغرب. ولكن نتائج الحرب أضعفت حكومة فؤاد السنيورة. وأوقعت مواجهة بينها وبين"حزب الله"تتهدد دوامها. ورغبت الولاياتالمتحدة في انتصار اسرائيلي حاسم وسريع على"حزب الله"لأن شأن ذلك كان الاسهام في تحقيق أهداف استراتيجية على الجبهات الأربع المهمة. فالقضاء على قوة"حزب الله"العسكرية كان خليقاً أن يضيّق على أعداء الولاياتالمتحدة في لبنان وبلدان أخرى في الشرق الأوسط. وفي ختام الحرب أعلن بوش أن اسرائيل انتصرت. لكن مسؤولي الادارة الأميركية والخبراء قارنوا بين الانتفاضة الفلسطينية الثانية والحرب على العراق وحرب لبنان الثانية، وانتهوا الى أن الديموقراطية الليبرالية الغربية تلقى عسراً في تحقيق انتصار حاسم على تنظيمات الارهاب الغالبة على مصائر بعض شعوب المنطقة. وخلصت المقارنة الى أن الولاياتالمتحدة واسرائيل واجهتا خطراً متشابهاً، واستخدمتا وسائل عسكرية متشابهة، وتوصلتا الى نتائج متشابهة ومخيبة. فالحرب العادية وغير البطولية التي يحكمها الخوف من وقوع خسائر بشرية كبيرة، في صفوف مدنيي الجانبين، ترجح كفة المنظمات المعادية فوراً، فتستهدف مناطق مدنية من غير رادع. ولما كانت القوة العسكرية الحديثة وحدها قاصرة عن إحراز النصر في الحرب"البورجوازية"وغير البطولية هذه، وكانت الديموقراطية تتيح للمتطرفين الاسلاميين الاستيلاء على السلطة، فما هي الوسائل الناجعة في الحرب على الارهاب والعصابات؟ وأجاب مسؤولون سابقون في الادارة وبعض خبراء السياسة الخارجية، مثل وزير الخارجية سابقاً هنري كيسنيجر، وريتشارد هيس، باقتراح اخراج القوات الأميركية من العراق تدريجاً، بعد ضمان استقرار السلطة القائمة من طريق الديبلوماسية المتعددة الطرف والتحالف بين الدول، ولكن ما يخلص اليه من حرب لبنان هو خلو الوفاض الأميركي والاسرائيلي من خطط ناجعة لمقاتلة المنظمات"الاسلامية"المتطرفة. فنتائج الحرب عززت عملياً المحور الايراني - السوري، وهو يضم"حزب الله"و"حماس"و"الجهاد الاسلامي"الى البلدين. ويهدد المحور هذا الحكومات الموالية للغرب في الشرق الأوسط، وبإحلال حكومات"اسلامية"معادية للغرب محلها. وهو يدعو الى زيادة العنف الفلسطيني وعرقلة المفاوضات. وتبعث هذه الحال على ادخال تغييرات كبيرة على الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط. عن ايتان غلبواع استاذ في جامعة بار - ايلان، موقع "مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية"، 3 / 2007