تطرقنا في المقالات السابقة الى تحليل ومناقشة المسار الكرونولوجي للعلاقة الإسرائيلية الإيرانية، وقلنا : إن العلاقة الإيرانية الإسرائيلية مرت بمراحل عدة بدأت بالشراكة الاستراتيجية أيام الشاه مرورا بالتحالف من خلف الستار أو ما يطلق عليه (Distant alliance ) عند مجيء آية الله الخميني إلى السلطة عام 1979 إلى الحرب الباردة بين إيران وإسرائيل بعد 1991 وصولا إلى المواجهة «Current Hostilities» بعد حرب العراق 2003. إن الحديث في مقال اليوم وهو المقال الأخير في هذه السلسلة هو استئناف لتحليل العلاقة بين إسرائيل وإيران الذي سيتناول بالبحث والتحليل مرحلة المواجهة أو مرحلة التنافس النووي «Hostilities Current» بعد حرب العراق 2003 في الظاهرة نفسها. اتسمت فترة الرئيس الأميركي بوش الابن بالافراط في تغليب نظرية القوة واستراتيجية «تغير الأنظمة» في الشؤون الدولية والعمل الأميركي المنفرد وعدم الاعتماد على الحلفاء أو المنظمات الدولية التي انتهت بغزو أفغانستان والعراق وتصدعات حقيقية على جميع الأصعدة الدولية. كانت حرب العراق عام 2003 هي نقطة تحول أخرى في العلاقة الاسرائيلية الايرانية. أدى الفشل الاميركي في العراق التي خسرت أميركا من خلالها خسائر مادية تقدر بأكثر من تريليون دولار، بالإضافة إلى الخسائر البشرية مقابل تدمير قدرات القوات المسلحة العراقية على ردع إيران دون أن يكون لدى الولاياتالمتحدة أي خطة واضحة لاستعادة نظام ديموقراطي موال يعيد توازن القوى مقابل إيران الى تداعيات جيوسياسية واسعة عززت البيئة المواتية لزيادة النفوذ الايراني في المنطقة ما أدى الى تغيير ميزان التهديد ضد إسرائيل.
كانت ايران ضمن محور الشر ((Axis of Evil)) هذا المصطلح الذي ابتدعه بوش في خطابه الذي ألقاه بتاريخ 29 يناير 2002 واصفا كلا من العراق، وإيران، وكوريا الشمالية بمحور الشر لانها تدعم الإرهاب وتسعى لامتلاك أسلحة الدمار الشامل. ساهمت ايران في احتلال كل من أفغانستان والعراق في محاولة لمغازلة أميركا. ليس هذا فقط، بل وفقا لبارسي، فبعد أقل من شهر على احتلال بغداد، قدمت طهران عرضا مغريا إلى الولاياتالمتحدة عن طريق السفير السويسري في طهران، الذي ترعى سفارته المصالح الأميركية، تتعهد فيه بوقف الدعم عن كل من حماس والجهاد الإسلامي والضغط على الحركتين لوقف هجماتهما على إسرائيل ودعم عملية السلام في الشرق الاوسط، وكذلك وقف الدعم عن حزب الله في لبنان والضغط عليه لنزع سلاحة وتحويلة الى حزب سياسي محض مقابل الاعتراف بأيران كفاعل اقليمي في المنطقة ورفعه من قائمة محور الشر. رفضت ادارة بوش هذا العرض وتمت معاتبة السفير السويسري في طهران. كان هذا الرفض من قبل اميركا سبب في التحول في سياسة ايران الخارجية من التفاوض والتعاون الى المواجهة، حيث دخلت ايران بكل ثقلها في كل من العراق وأفغانستان في محاولة لمنع اميركا من ايجاد الفرصة للسيطرة على أفغانستان والعراق عن طريق دعم المليشيات المسلحة التي تقاتل الوجود الاميركي للاستمرار في عدم الاستقرار، وكذلك عملت على تسريع برنامجها النووي وزيادة الدعم المالي والأسلحة لحزب الله كجزء من استراتيجية الردع. أدى الفشل الاميركي في العراق التي خسرت أميركا من خلالها خسائر مادية تقدر بأكثر من تريليون دولار، بالإضافة إلى الخسائر البشرية مقابل تدمير قدرات القوات المسلحة العراقية على ردع إيران دون أن يكون لدى الولاياتالمتحدة أي خطة واضحة لاستعادة نظام ديموقراطي موال يعيد توازن القوى مقابل إيران الى تداعيات جيوسياسية واسعة عززت البيئة المواتية لزيادة النفوذ الايراني في المنطقة ما أدى الى تغيير ميزان التهديد ضد إسرائيل، فأيران أصبحت تمثل تهديدا حقيقيا لاسرائيل من خلال التحالف الثلاثي «Triple Alliance» بين إيران وسوريا وحزب الله الذي يهدد الحدود الآمنة لدى اسرائيل، وكذلك نجاح ايران في امتلاك السلاح النووي سوف يهدد الردع النووي الاسرائيلي. حاولت اسرائيل منع ايران من امتلاك السلاح النووي عن طريق التهديد على لسان مسؤوليها بضربات وقائية عسكرية ضد المنشآت النووية الايرانية ومن ذلك تصريح وزير الدفاع الاسرائيلي، شاؤول موفاز من أن اسرائيل مستعدة للقيام بعمل عسكري من جانب واحد ضد المواقع النووية الايرانية اذا فشل المجتمع الدولي في ايقاف تطوير الأسلحة النووية الايرانية. الأمر الثاني حربها غير المعلنة أو كما عبر عنها أحد مستشاري الرئيس الأميركي بحالة منخفضة من الصراع اليومي «a state of low-grade daily conflict» من خلال سلسلة من الاغتيالات تستهدف العلماء النوويين الإيرانيين في محاولة لتعطيل وتأخير النووي الايراني، تماما كما فعلت قبل ثمانية وعشرين عاما فيما يتعلق بالعراق، وكذلك عن طريق سلسلة ممنهجة من الحرب الالكترونية السرية «cyber campaign» بهدف إلحاق الضرر ببرنامجها النووي. الأمر الأخير هو بناء تحالف قوي مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي للضغط على ايران لثنيها عن امتلاك التقنية النووية، وكذلك الضغط على حلفاء إيرانروسيا والصين لوقف الدعم عن ايران. من خلال استعراض تطور العلاقة الإيرانية الإسرائيلية التي أكدنا بمرورها بعدة مراحل مختلفة، إلا أنها أبدا لم تكن محكومة بمنطق أيديولوجي وإنما بمنطق المصالح الاستراتيجية التي كانت العمود الأساس في توجيه دفتها السياسية من التفاوض والتعاون الى المواجهة.