اندلعت النار في مزرعة جورج بوش في كروفورد، وامتدت الى مكتبته الخاصة حيث أحرقت الكتابين الموجودين فيها قبل ان يكمل الرئيس تلوين الصور فيهما. ما سبق قيل في معرض السخرية من جهل جورج بوش، فهو دخل الجامعة بالوساطة، وتخرج منها بالوساطة، ووصل الى الرئاسة بالوسيلة نفسها، وهو اليوم لا يقرأ كتاباً حتى يعقد مؤتمراً صحافياً يعلن فيه انه قرأ. هي مصيبة ان يكون رئيس البلاد جاهلاً، ومصيبة أكبر ان يكون الجاهل رئيس العالم. وفي موضوع جورج بوش بالذات هناك مصيبة أكبر من كل ما سبق هي نوع الكتب التي يقرأها الرئيس. آخر ما قرأت عما يقرأ الرئيس ورد في مقال كتبه احد المحافظين الجدد إروين ستلزر في مطبوعة"ويكلي ستاندارد"، الناطقة باسم العصابة، عن اجتماع في البيت الأبيض ضم بعض اركان التطرف ومعهم المؤرخ البريطاني اندرو روبرتس الذي يفاخر بأنه من أقصى اليمين، وقد صدر له أخيراً كتاب عنوانه"تاريخ الشعوب الناطقة بالإنكليزية منذ 1900". في اجتماع يضم ديك تشيني وعصابته سار الحديث نحو التطرف كأصحابه ولا أصدق ان بوش فهم الحوار الدائر، مثل تأييده اعتراض نورمان بودهورتز، أحد المحافظين الجدد، استنتاج آرثر كوستلر ان المعركة هي بين الأسود"وظلال من الرمادي". والرئيس قال إنه"لا يشعر بأي ضغط"لأن الأجوبة عنده تأتي عبر"تدخل إلهي"، وأقول إنه مرتاح لأن أصحاب العقول في راحة. ويقول ستلزر ان الرئيس بوش اقترح على المشاركين في النقاش حول مائدة غداء ان يقرأوا كتاباً آخر هو"أميركا وحدها: نهاية العالم كما نعرفه"من تأليف الكندي مارك ستاين، وهو ايضاً من المحافظين الجدد، ويكتب احياناً في"الديلي تلغراف"اللندنية مقالات عنصرية لا أذكر أنني أكملت قراءة واحد منها. هذه ليست قراءة، بل غسيل دماغ، فالرئيس بوش لا يدور على المكتبات في العاصمة واشنطن لاختيار ما يقرأ، وإنما هناك من يختار له، فلا يصل الى عقله سوى ما يطلع به الحالمون بالامبراطورية الأميركية والمحافظون الجدد من اليهود الليكوديين الذين يقدمون مصلحة إسرائيل على المصلحة الأميركية نفسها. الكاتب الأميركي الليبرالي البارز جيم لوب ذكّرنا في مقال بعنوان"آه. الرئيس يقرأ من جديد"بأن جورج بوش قرأ في صيف 2002 كتاب"القيادة العليا"من تأليف مؤرخ من المحافظين الجدد هو ايليوت كوهن، ويبدو ان الرئيس أعجب بالكتاب الى درجة ان كوهن اصبح الآن مستشاراً لوزارة الخارجية الأميركية. وكنت كتبت سنة 2004 ان الرئيس بوش قرأ كتاب اليهودي الروسي الإسرائيلي المتطرف ناتان شارانسكي، وعنوانه"قضية الديموقراطية: قوة الحرية ستنتصر على الطغيان والإرهاب"، وهو ما نرجو جميعاً فينال الفلسطينيون حريتهم ويهزم الطغيان الإسرائيلي والإرهاب في اراضيهم، ويعود شارانسكي الى روسيا. كان الكتاب تافهاً بقدر ما ان صاحبه متطرف عنصري ضد العرب والمسلمين، خصوصاً من الفلسطينيين، ومع ذلك فالرئيس المثقف استخدم بعض افكاره في خطاب تنصيبه لولاية ثانية سنة 2005، ثم نصح موظفي البيت الأبيض بقراءته. طبعاً العنوان يشرح ان الكتاب يقول ما يريد ان يسمع الرئيس، غير ان الحقيقة على ارض الشرق الأوسط هي ان ادارة بوش دمرت مشاريع الديموقراطية في المنطقة بعد ان اصبح سوء ادائها في العراق نموذجاً على الفشل، وزادت الإرهاب حول العالم وهي تقاومه. أي كتاب من هذا النوع يكفي لغسل دماغ جورج بوش المغسول اصلاً بأفكاره الدينية، وما يسمع على خطه المباشر الى فوق. غير ان جيم لوب يذكر في مقاله ان الرئيس أعلن انه قرأ في إجازة عيد الميلاد الأخيرة كتاب"همهمة امبريالية: العسكر الاميركيون في الميدان"من تأليف روبرت كابلان وهو متطرف آخر من المحافظين الجدد وعنصري ضد العرب والمسلمين، كتابه تحريض سافر على المسلمين حول العالم ودعوة الى قمعهم بالسلاح الأميركي. اخترت همهمة، ولكن يصلح ايضاً غمغمة أو جعير ونفير. كل ما سبق ذكرني بشيء قرأته عن قراءة الرئيس بوش في إجازة الصيف الماضي، فقد ضمت كتاباً عن روبرت اوبنهايمر واختراع القنبلة النووية، وسيرة جديدة لأبراهام لنكولن، وأيضاً رواية"الغريب"لألبير كامو التي صدرت سنة 1946. هل تفسر هذه الرواية مأساة جامعة فرجينيا حيث ارتكبت اسوأ مجزرة مفردة في التاريخ الأميركي؟ مسرح الرواية الجزائر ايام الحكم الفرنسي، وهي تعالج خلفية العنف غير المبرر ونتائجه المريعة، فبطل الرواية ميرسو يقتل عربياً بالرصاص على الشاطئ من دون ان يكون يعرفه، ومن دون ان يكون تعرض من العرب المحليين الى ما يبرر رده العنيف. وهو يبدو في الرواية في حالة انفصام غاضبة كالطالب الكوري في فرجينيا. كامو يحاول ان يقول إن العنف يكون أحياناً مرضياً أو نفسياً، او كنزوة عارضة لا علاقة لها بتخطيط، أو التزامات عقائدية. ربما يفسر هذا عنف تشو سونغ - هوي الذي اختلف مع صديقته اميلي هيلشر فقتلها وقتل 30 آخرين من طلاب جامعته وأساتذتها ثم قتل نفسه. غير ان رواية"الغريب"لا تفسر الأفكار العنيفة التي يروج لها دعاة الحرب الأميركيون والإسرائيليون ويغسلون دماغ جورج بوش بها، فالجريمة هنا ليست نزوة وإنما خطة طبخت بليل عن سبق تصور وتصميم. اختتم كما بدأت، فالمفروض ان يكون رئيس البلد، أي بلد، مثقفاً ويقرأ، إلا انني افضل مع جورج بوش ان يكتفي الرئيس بألعاب الكومبيوتر والفرجة على مباريات البيسبول على التلفزيون، وصورته الحقيقية قراءته"العنزة الأليفة"لطلاب صغار عندما بلغ عن إرهاب 11/9/ 2001 فاستمر في القراءة، ربما لأنه كان اكثر اهتماماً من الطلاب بمعرفة نهاية القصة.