ثمة طرفة بقيت لنا من أيام الاتحاد السوفياتي الذي قضى غير مأسوف عليه تحكي عن رجل يقف في طابور طويل ليشتري طعاماً لعائلته، وأخيراً يفقد صبره فيخرج من الطابور وهو يصرخ انه ذاهب ليقتل ليونيد بريجنيف. غير انه يعود الى طابور الطعام بعد ساعة ويقول انه وجد طابور الذين يريدون قتل بريجنيف أطول. اليوم هناك طابور للذين يكرهون جورج بوش أطول من طابور الراغبين بقتل ليونيد بريجنيف، فالرئيس الأميركي يولد مشاعر كره في اعدائه لم أرَ شخصياً مثلها مع ريتشارد نيكسون أو ليندون جونسون او بيل كلينتون. وكنت في البداية أعتقد ان من واجبي ان أقرأ الكتب السياسية الصادرة لأنها جزء من عملي، الا انني وجدت سريعاً انني لو قرأت نصفها لما بقي عندي وقت للعمل. في المكتبات الآن كتب تغني عناوينها عن الشرح مثل "أكاذيب جورج بوش" و"خداع: الاستراتيجية وراء كذب جورج بوش، ولماذا لا تصرح الميديا بذلك" و"دليل كارهي بوش" و"دليل لماذا أكره جورج بوش" ومثله "لماذا أكره ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وكوندي رايس...". ولن أزيد هنا كتباً سبق ان عرضتها عندما كنتُ أعتقد انني لا أزال أستطيع متابعة ما ينشر مثل كتب آل فرانكن ومايكل مور. اليوم هناك ضجة في وسائل الاعلام الأميركية سببها كتاب جديد عن بوش، الجديد فيه ان كاتبته هي كيتي كيلي التي اشتهرت بكتب سير المشاهير وتمزيق سيرهم ارباً، من فرانك سيناترا الى نانسي ريغان وجاكلين كنيدي أوناسيس. كتاب كيلي "العائلة: القصة الحقيقية وراء آل بوش" سينزل الى الأسواق في الولاياتالمتحدة اليوم الاثنين، ولن أقرأه لأنني أستطيع ان أتصور ما في داخله. وكنتُ قرأت ان المؤلفة ستتهم بوش بتعاطي المخدرات وقرأت عروضاً للكتاب أثارت هذه النقطة. هل تعاطى بوش المخدرات؟ هو قال خلال حملته الانتخابية السابقة انه لم يتناول اي مخدرات منذ 1974، ما قد يفهم منه انه تعاطى المخدرات قبل ذلك. وفي حين أرجح شخصياً ان جورج بوش تعاطى المخدرات كغالبية جيله في الستينات والسبعينات كلنا يذكر قول كلينتون انه دخن ماريوانا الا انه لم "يبلع"، فإن لا دليل عندي، ولا أعتقد ان كيتي كيلي حصلت على دليل قاطع عجز عن مثله الصحافيون المحققون المعروفون. هي تنسب الى شارون بوش، الزوجة السابقة لشقيقه نيل، قولها انه تعاطى المخدرات، غير ان علينا ان نذكر ان طلاق شارون كان معركة عنيفة انتهت بخلاف مستمر. وقد أنكرت شارون بوش بشدة بعد النشر ان تكون قالت شيئاً عن المخدرات، الا ان كيلي والناشر أصرا على صحة المعلومات وعلى شارون كمصدر لها. ليست الكتب الاخيرة عن بوش كلها من نوع دليل كراهية، او مبالغات كيتي كيلي، فهناك في الأسواق "عالم بوش: ادخل على مسؤوليتك" من تأليف مورين داود، و"ماذا خسرنا" من تأليف غرايدون كارتر، ومعهما كتاب لجيمس وولكوت وجدت صعوبة في ترجمة عنوانه فهو عن كلاب هجوم، الا انها من نوع "بودل" الفرنسي الصغير اللطيف، ما يعني ان الكاتب يسخر، والعنوان الفرعي يشرح سبب السخرية فهو "نهب الاخبار في زمن الارهاب" اي ان الكاتب يتهم الصحافة بالتصرف مع الادارة ككلب مدلل، وليس مهاجمتها بشراسة كلب "وولف" او "دوبرمان". مورين داود من كتّابي المفضلين، وأنتظر مقالاتها في "نيويورك تايمز" بصبر، وهي تجمع بين الذكاء وسلاطة اللسان، وتسخر في شكل يقصر عنه زملاؤها الذكور. ووجدت ان الكتاب يضم مقالات لها من السنوات الأربع الاخيرة، أرجح انني قرأتها كلها في حينه، فإن كان لي من تعليق عام عليها فهو ان هذه المعلقة الذكية توقعت الكارثة التي ستتبع الحرب على العراق، وتحدثت عن زيادة الارهاب بدل كبحه، ولكن لم تجد آذاناً صاغية. لا أعتقد انني سأقرأ كتاب كارتر، فما جعلني أطلبه هو ان مؤلفه رئيس تحرير مجلة "فانتي فير"، وهي مجلة نسائية لم تشتهر بمواقفها السياسية قبل ان يخرج بوش رئيس التحرير عن طوره فيبدأ بكتابة تعليقات سياسية لاذعة، وينتهي بكتاب عن بوش قرأت في عروض عنه انه يعتمد على أبحاث دقيقة شارك فيها 11 باحثاً وباحثة، حتى ان المؤلف يسجل اسماء القتلى الأميركيين في العراق حسب الأبجدية. كتاب وولكوت يختلف عما سبق في انه حملة على الصحافة التي سايرت بوش، أكثر منها على الرئيس نفسه، وقد وجدته يصوّب سهام سخريته الى "فوكس نيوز" و"ام اس ان بي سي" و"سي إن إن"، غير ان الموضوع مستهلك، وهو تصديق كذب الادارة عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق. وأعتقد انني وجدت قاسماً مشتركاً بين كل الكتب السابقة على رغم اختلاف مواضيعها هو ان الكتّاب يهاجمون بوش بحدّة، الا انهم لا يكرهونه كما يدعي بعضهم، فهم يعتقدون ان بوش جاهل وبالتالي يوجد تفسير لأخطائه، لا يوجد بالنسبة الى بيل كلينتون الذكي جداً والذي هاجمته مورين داود بسبب فضائحه الجنسية الى حد الاحتقار. طبعاً أنصار جورج بوش لا يقفون مكتوفي الأيدي ازاء حملة الليبراليين على قائدهم الملهم، واذا كان بين قرّاء الجريدة هذه من يؤيد بوش فهو قد يقرأ "عقيدة جورج بوش" من تأليف ستيفن مانسفيلد، أو "اقطعوا رؤوسهم: الخونة والنصابون والمعرقلون في السياسة والميديا والعمل"، من تأليف ديك موريس، أو "لماذا أكره الديموقراطيين" من تأليف راندي هاو، او "مايكل مور رجل أبيض سمين وغبي" من تأليف ديفيد هاردي. ومع كل ما سبق "تشويه: أكاذيب الليبراليين" او "خيانة: غدر الليبراليين" او "غير صالح للقيادة: مخضرمو القارب سويفت يتحدثون ضد جون كيري" او "إهمال غير مسؤول: كيف أضر الديموقراطيون الليبراليون بجنودنا وعرّضوا أمننا للخطر". لا أعتقد ان قارئاً عاقلاً سيقرأ شيئاً من هذا، وما كنت لأتوقف عنده لولا انه يصل الي من دون طلب، وقد قررت ان أصدّق ما يقول الجمهوريون عن الديموقراطيين وكيري، وأن أصدق ما يقول الديموقراطيون عن الجمهوريين وبوش، فالفريقان يستحقان احدهما الآخر.