بين الجد والهذر: مكتبة جورج بوش الابن، أو الولد، ستكلف 220 مليون دولار وستحتضنها الجامعة المنهجية الجنوبية في دالاس (الكنيسة المنهجية من الطوائف البروتستانتية). أعرف أن ادارة بوش تركت العراق في قعر قائمة الفساد في العالم كله، ولكن 220 مليون دولار لاحتضان كتابين للصور التي يلونها الصغار تزايد حتى على الفساد الأميركي في العراق. أذكر أنه عندما كان جورج بوش رئيساً، كان يعقد مؤتمراً صحافياً في كل مرة يقرأ كتاباً، وقد أُعجب كثيراً بكتاب ناتان شارانسكي «قضية الديموقراطية» وكرّم المؤلف الليكودي الذي يعتقد بأن نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط كما زعم بوش يوماً يفيد اسرائيل مع انه سيؤدي الى حكومات «رافضة» لا مجرد «ممانِعة». أغرب مما سبق أن سنوات بوش العجاف الثماني موثقة بالصوت والصورة، من الحرب على الإرهاب التي زادت الإرهاب بدل أن تقضي عليه، الى تدمير العراق على رأس أهله تنفيذاً لسياسة المحافظين الجدد في خدمة اسرائيل، وانتهاء بتدمير الاقتصاد الأميركي واقتصاد العالم معه. وبين هذا وذاك تعذيب السجناء من قاعدة باغرام وسجن أبو غريب الى معتقل غوانتانامو. المكتبة البوشية، كما قرأت، سيكون محورها 25 قراراً اتخذها بوش الابن وهو في البيت الأبيض. أحاول الموضوعية وأقول ان 24 قراراً راوحت بين الخطأ والجريمة، وكانت من نوع ما سجلت في الفقرة السابقة، غير ان القرار 25 كان صائباً، وبوش استطاع أن يخفض رأسه ويتجنب الإصابة بحذاء منتظر الزيدي فكان نجاحاً باهراً وادارته تلفظ أنفاسها الأخيرة كسر «مرس» الفشل. سبحان الله، هناك حديث نبوي يقول: «تفاءلوا بالكنى فإنها شبهة» وكان رسول الله لا يرسل بريداً إلا حسن الوجه والإسم، ومثله الفاروق عمر، وجورج بوش الابن «بوش» (بمد الواو)، أي صفر أو زيرو. أقول هذا وأنا أقدر اباه صاحب الاسم نفسه، خصوصاً دوره في تحرير الكويت. ولعل الفارق بين الأب والابن يثبت نقطة في مذهب التقمّص، تقول ان كل ابن يأتي في صورة تقل عن والده، وأرجح أن الهدف منها أن يحترم الصغير الكبير، وهي إذا كانت صحيحة فإنها تفسر أن يرزق بوش الابن ببنتين، ولا أولاد، لأنه ما كان يستطيع أن ينجب ولداً دونه مستوى. ومن أسوأ رئيس الى أسوأ نائبة رئيس لولا رحمة الأقدار بأميركا والعالم. محافظة الاسكا سارة بيلين التي اختارها جون ماكين لمنصب نائب الرئيس الى جانبه، وسقطا معاً، أعلنت أنها ستستقيل من منصبها، وترددت أخبار غير مؤكدة انها تعتزم التركيز على انتزاع ترشيح الحزب الجمهوري لها في انتخابات الرئاسة سنة 2012، إلا أن مصادر قريبة منها نفت أي طموح رئاسي لبنت الاسكا البارّة، أو «البايرة». اعتقد بأن قرارها جاء بعد تعرضها وأسرتها لحملات صحافية، وجدال بدأ بتسريبات من معسكر ماكين خلاصتها ان بعض مساعديه وجدها مختلة عقلياً، بقدر ما هي جاهلة، وانتهت بتحقيق في مجلة «فاينتي فير» هذا الشهر مسح الأرض بها. وكانت ابنتها بريستول حملت من دون زواج، كما ان لها طفلاً معاقاً هو تريغ. أفهم أن تتعرض سياسية، أو سياسي، لهجوم على سياستها، ولكن إقحام أسرتها في حياتها العامة واستهداف ابنتها بنكتة، كما فعل ديفيد ليترمان عيب، بل حرام. ما يهمني من الموضوع كله هو جهل بيلين، فهذا ما جذب المحافظين الجدد اليها فتبنوا ترشيحها وأقنعوا ماكين بها، وهي بذلك لا تختلف عن بوش في شيء سوى انه حكم، ورونالد ريغان الذي كان ممثلاً من الدرجة الثانية وسياسياً من الدرجة الثالثة، أي «تيرسو»، وحكم المحافظون الجدد عبره وقد بدأ ينهشه مرض الزهايمر، أو الخرف، كما حكموا عبر بوش الابن، وكادوا أن يفعلوا مع بيلين التي أرادوها ان تخلف ماكين يوماً. نائب الرئيس الذي شارك في الحكم فعلاً كان ديك تشيني، حتى ان الإدارة السابقة حملت اسم ادارة بوش/ تشيني، وكان نائب الرئيس يسعى الى امبراطورية أميركية تهيمن على العالم، فالتقت أهدافه مع طموح المحافظين الجدد الى فرض هيمنة اسرائيلية على الشرق الأوسط، وكان ما كان من نشر الخراب في المنطقة كلها، ثم ترك طالبان والقاعدة بعد نصف حرب ليعود المتخلفون دينياً والإرهابيون أقوى مما كانوا. كل يوم هناك وثيقة جديدة تدين تشيني، وهذا الشهر أطل علينا بمعلومات نشرتها «واشنطن بوست» عن دوره المباشر في فضح اسم عميلة الاستخبارات فاليري بلامي لأن زوجها جوزف ولسون، وهو سفير أميركي سابق كشف أن وثائق يورانيوم النيجر للعراق مزورة. تشيني يجب أن يحاكم فإما تثبت عليه تهمة أنه «مجرم حرب» التي يرددها ألف مصدر غربي، أو يُبرّأ. ومثله رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، فقد لعب دوراً أساسياً في الحرب المجرمة على العراق، وهناك من يتهمه بالتواطؤ مع جورج بوش عمداً. وهو الآن يحاول ترؤس الاتحاد الأوروبي، ما يجعله رئيس 27 دولة، إلا أن هذا لا يجوز أبداً قبل محاكمته، فإما أن يدان كإدارة بوش كلها أو يُبرأ، فننتظر بدء التحقيق البريطاني الرسمي في حرب العراق.