الهدف المعلن لجولة وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في الشرق الأوسط هو خفض النفوذ الإيراني في المنطقة ودعم حكومة نوري المالكي العراقية. وإذا كانت محطتا الوزير المصرية والأردنية تبدوان في سياق المتوقع من الدعم العسكري الأميركي "الروتيني" للقاهرة وعمان، خصوصاً وهما من عواصم"المواجهة"لما بات يسمى المدّ الإيراني في عمق المنطقة العربية، فبديهي أن أجندة غيتس مع المسؤولين الإسرائيليين، تثير أكثر من علامة استفهام حول ما يخطط له البيت الأبيض بالتنسيق مع حكومة ايهود أولمرت. ليس متوقعاً بالطبع أن يحشد روبرت غيتس أو يحاول حشد القوة العسكرية المصرية أو الأردنية في تحالف جديد ينقض على المنشآت النووية الإيرانية، أو يواجه"عملاء"إيران في العراق مثلاً. ولكن، طالما النفي الأميركي المتكرّر لسيناريوات حرب على الجمهورية الإسلامية، لا يلغي حتماً ديبلوماسية التضليل، لإشاعة أجواء اطمئنان على طهران، واستثمار عنصر المباغتة في أي ضربة خاطفة للمنشآت النووية، يبدو التنسيق الأميركي مع عمان والقاهرة ضرورياً، لاحتواء ارتدادات مثل هذه الضربة. وأبعد من نيات البيت الأبيض الذي سيبقى بحاجة الى"انتصار"عسكري يخفّف وطأة ورطته في المستنقع العراقي، بمقدار حاجة طهران الى ثغرة في جدار القطيعة مع الولاياتالمتحدة، تحفرها بضعة صواريخ من طراز"توماهوك"، لتمهّد لمسار التفاوض على"الصفقة"الكبرى... بافتراض تقاطع المصالح الأميركية - الإيرنية - حتى ضمن الصراع على النفوذ - هناك من يهمس أيضاً بسيناريو آخر يبدأ باشتباك سوري - اسرائيلي، ليرفع ستارة المفاوضات الشاملة. القائلون بهذه"النظرية"يستندون الى حاجة الجيش الاسرائيلي الى"حرب تحريك"لرفع معنوياته المهزوزة منذ حرب تموز يوليو... بمقدار حاجة سورية أيضاً الى"الالتفاف"على الطوق الأميركي الذي يحاصرها من الحدود العراقية وبالعزلة الغربية الى حد ما، وبالشكوك حول قدرتها على التعاطي مع ملف المحكمة في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. وأنصار تلك"النظرية"يتساءلون هل مجرّد مصادفة عودة مهمة الأميركي السوري ابراهيم سليمان الى الواجهة، ومن على منصة الكنيست الاسرائيلية، وتناقل"إشاعات"عن مخاوف من أيار مايو ساخن، تتّخذ تدابير استباقية ل"التكيّف"معه في أكثر من بلد في المنطقة. ومع القلق من الفتن المذهبية والطائفية في الشرق الأوسط، لا تتراجع هموم التقسيم"الواقعي"المتسارع في العراق، عبر"التطهير"لحسم المعركة على بغداد... في ظل صمت حلفاء إيرانالعراقيين الذين سارعوا مبكراً الى إطلاق مشروع الأقاليم، تحت سقف الفيديرالية التي اتضح انها تفخّخ العراق بالمذابح. والذين ينحازون الى نظرية التواطؤ بين المصالح الأميركية والإيرانية، لا يرون مفراً من شرذمة العراق، لأن فِطر النعرات المذهبية لم ينبت بفعل"ساحر"وحيد في واشنطن. أما الحليف الإسرائيلي لجورج بوش والذي طالما تمنّى بغداد ضعيفة، فيهمه أيضاً الاطمئنان الى ميزان القوى في المنطقة في عهد الأقاليم. وربما لهذا الهدف يأتي غيتس الى اسرائيل المنهمكة بالتساؤل عن مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من بلاد الرافدين. أما حديث الوزير بلسان الديبلوماسي، كأنه استعار مهمة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، فيعزّز الشكوك أكثر في طبيعة جولته، مثلما فعل حين أشار الى مطالبة الأردن بدعم الجهود الأميركية"في العراقولبنان والعملية السلمية على المسار الفلسطيني"... ويبدو البنتاغون واثقاً بترويج صفقات تسلح لمصر واسرائيل، خلال جولة غيتس، لكن الغريب ان يسعى الأخير الى"استنهاض"مواقف دول كمصر والأردن من"المدّ الإيراني"، وحتى من نفوذ"حزب الله"في لبنان، فيما مواقفها معروفة، بل كانت عبّرت باكراً عن استيائها من تمدّد أصابع طهران الى دول عربية. في كل الأحوال، لم يأت وزير الدفاع الأميركي الى المنطقة لمجرد التعارف، أو حتى التعرّف الى عناوين المبادرة العربية للسلام. وإذا كان القلق من مسار أزمات المنطقة بدءاً من الملف النووي الإيراني، مروراً بلبنان والحرب الأهلية في العراق، ممدداً في غياب التسويات، فمجيء غيتس لا بد من أن يضاعف القلق... من المجهول وسيناريواته.