شهدت الأيام الأخيرة بعض المستجدات التي بدت وكأنها المؤشر لبداية جديدة لمتغيرات أساسية في المنطقة. وتدرجت الأحداث على الشكل الآتي: خصص المبعوث – الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط السناتور جورج ميتشيل الحيز الأكبر من جولته هذه المرة لسورية، فالتقى مطولاً الرئيس بشار الأسد ووزير الخارجية وليد المعلم، وخرج ليقول: «إن الولاياتالمتحدة تعمل على استئناف المفاوضات على المسار السوري – الإسرائيلي، لأن السلام الشامل هو الطريقة الوحيدة لضمان الاستقرار والأمن والازدهار لعلاقة دول المنطقة». ونقل السيناتور السابق ميتشيل للرئيس الأسد «التزام الرئيس باراك أوباما وادارته بتحقيق سلام شامل». وإضافة الى جهوده الآيلة الى «تنشيط» المفاوضات العربية - الإسرائيلية على أكثر من مسار فقد ركز ميتشيل على تطوير وتحسين العلاقات بين سورية والولاياتالمتحدة، وهذا ما كان ينادي به الرئيس الأسد من ضرورة الاشتراك الأميركي في أي عملية سلام في المنطقة. وعلى هذا الأساس يتوقع أن تشهد العلاقات السورية - الأميركية تطورات بارزة خلال الأسابيع والأشهر الآتية وفي هذا السياق تقول المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية بثينة شعبان «إن الحوار بدأ فعلاً مع الولاياتالمتحدة وسيستمر». وشدد المبعوث الأميركي على أن الرئيس باراك أوباما مصمم على تسهيل الوصول الى سلام شامل وحقيقي بين العرب وإسرائيل، موضحاً ان هذا يعني سلاماً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبين سورية وإسرائيل وبين لبنان وإسرائيل، الأمر الذي يعني التحرك في اتجاهات عدة دفعة واحدة. لكن الكلام المهم في تصريحات ميتشيل قوله الآتي: «بالطبع وفي النهاية تأتي عملية التطبيع الكامل في العلاقات بين إسرائيل وكل دول المنطقة وهو ما تدعو اليه مبادرة السلام العربية، وهو أيضاً الغاية القصوى التي نسعى اليها في جهودنا». فقبل مغادرته دمشق حرص ميتشيل على الاتصال هاتفياً بالرئيس ميشال سليمان ووضعه في صورة محادثاته، ومؤكداً له الحرص على التعاطي مع لبنان، «وان أي حل لن يكون على حسابه». وهنا يجب التوقف عند إصرار ميتشيل على ضرورة حدوث التطبيع مع إسرائيل مستنداً الى ترجمة معينة للمبادرة العربية ومركزاً على مسألة التطبيع على ما عداها من الخطوات. لكن الردَّ السعودي على هذه التصريحات جاء سريعاً بالتأكيد على أن المملكة العربية السعودية لن تعترف بإسرائيل «إلا بعد انسحابها من الأراضي العربية المحتلة وقبولها حل الدولتين». هذا في ما يتعلق بتهيئة المناخات الملائمة لإحياء عملية السلام في شكل عام، وتحسين العلاقات الثنائية بين الولاياتالمتحدة وسورية. لكن لهذا الطرح خلفيات وتداعيات يمكن إدراجها تحت عنوان عريض وهو: الخطة الأميركية لمواجهة إيران بالتعجيل في قيام حالة سلام عربية – إسرائيلية، مع التركيز على تطبيع العلاقات. وهذا الأمر يقود في شكل تلقائي الى الحديث عما يجري في طهران وما نشهده من أحداث بارزة لجهة الصراع بين المحافظين والإصلاحيين. وبمعزل عما يمكن أن تنتهي اليه المنازلة بين مختلف الفرقاء في إيران. فالإدارة الأميركية سعت ولا تزال الى إحداث «تغييرات جذرية» تجعل باب التفاوض قائماً حول الملف النووي الإيراني وما يتفرع عنه. وسعت الدوائر الأميركية على اختلافها الى تشجيع قيام حركات اعتراضية ضد النهج المتصلب الذي اعتمده الرئيس محمود أحمدي نجاد، لكن كل المحاولات التي أجريت فشلت في إحداث مثل هذا التغيير. وتشرح مصادر أميركية ل «الحياة» سيناريو المرحلة القادمة على الشكل الآتي. ان إيران هي الحاضنة لحركات التحرر في المنطقة، من «حزب الله» في لبنان، الى «حماس» في غزة وصولاً الى الداخل في العراق وانتهت مداولات بعض الخبراء الأميركيين الى قناعة ترتكز على الإحساس بخطورة تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، وان السبيل الأفضل ل «ردع إيران» يكون بإسقاط بعض أوراق الصراع في المنطقة، وفي الطليعة تبرز قضية السلام العربي – الإسرائيلي. وتلاقت الجهود التي يقوم بها جورج ميتشيل مع التحركات التي قام بها وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس الذي زار المنطقة منذ أيام مع تركيز على الوضع في العراق، والذي حذَّر بدوره من مخاطر تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، وان العمل يجب أن يتركز على «كف يد» إيران عن القيام بدور الحاضنة لمحاور دول الممانعة وخصوصاً استخدام الورقة الفلسطينية كوسيلة ضغط في أي عملية تفاوضية يمكن أن تحدث. وعبرت المصادر الأميركية بالقول إن واشنطن تمنح إيران مهلة حتى شهر أيلول (سبتمبر) المقبل للإجابة عن التساؤلات الخاصة بالملف النووي الإيراني. لكن هذا الموعد ليس سوى تأجيل للمواجهة والتي تتحاشاها واشنطن نظراً لما تنطوي عليه من محاذير وتداعيات، خصوصاً مع ترقب قيام تطورات معينة قد تقلب صورة الموقف العام في المنطقة. وهنا دخل الابتزاز الإسرائيلي على خط الأحداث: فقد سعت إسرائيل ولا تزال الى الحصول على مساعدات إضافية أميركية مقابل «التريث» في اتخاذ قرار نهائي في اسرائيل بإمكانية توجيه ضربة عسكرية الى ايران، وهذه واحدة من المناورات التي يقوم بها بنيامين نتانياهو المحبط حيث الشلل أصاب عملية التفاوض مع الجانب الفلسطيني الغارق بدوره في متاهات الانقسام والتشرذم. وتجعل اسرائيل مما شهده الجنوب اللبناني أخيراً قضية للاستغلال وللتأكيد على أن قوات «يونيفيل» غير قادرة على ضبط الأوضاع، وذهبت الى حد المطالبة بتغيير قواعد الاشتباك بين لبنان وإسرائيل. كل هذه التطورات تفضي الى بعض التساؤلات ومنها: - هل «الهجمة الأميركية» على إيران بالتحول الى الإسراع في عملية السلام العربي – الإسرائيلي قناعة بهذا الأمر، أم أنه يتدرج في إطار ردود الفعل؟ - وهل ان إبراز الخطر المتنامي من النفوذ الإيراني في المنطقة مقدمة لتسويق عمليات تسلح واسعة النطاق في دول الجوار الإيراني، وأين يقع في هذه الحالة إصرار الرئيس باراك أوباما على ضرورة إجراء حوار مع إيران قبل الإقدام على أي عمل آخر؟ - ما هي نظرة واشنطن الحقيقية والفعلية لما يجري في إيران؟ حيث يسود اعتقاد لدى بعض الخبراء أو مدعي الخبرة أن ما يجري في طهران يقع تصنيفه بين «ثورة على الثورة»، أو «حركة تصحيحية» من داخل النظام. - حول التسويق الأميركي لفكرة تعزيز التسلح لدول المنطقة، يجري الإعداد لتوقيع اتفاقات مع العراق قدرت ببلايين الدولارات. وفي هذا المجال كلام لقائد القوات الجوية العراقية الفريق أنور أحمد جاء فيه: «ان بغداد تريد أن تشتري في البداية 18 طائرة من نوع «أف 16»، هذا العام بهدف الحصول على 96 طائرة بحلول عام 2020» مشيراً الى «مخاوف من ايران وسورية» وعقَّبت مصادر أميركية بالتأكيد على ضرورة حصول العراق على مقاتلات متعددة المهمات، وفي الحديث عن العراق تجب الإشارة الى تزايد الضغوط الداخلية على الرئيس باراك أوباما لتقريب موعد الانسحاب الأميركي الكامل من العراق حتى قبل الموعد المحدد في عام 2011. ويطالب عدد من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الرئيس الأميركي ب «إعلان الفوز في الحرب والانسحاب الكامل»! وهذا ما يحدث عندما تسعى أميركا الى تحويل الهزيمة الى انتصار أو ما يُشبه ذلك! وفي سياق متصل، كان الهدف الآخر من زيارة وزير الدفاع الأميركي للعراق، المساعدة على رأب الصدع بين الغالبية العربية والأقلية الكردية حيث يخشى كثيرون من أن يقوِّض الانشقاق بينهما المكاسب الأمنية التي أمكن تحقيقها، وفي المحصلة الأخيرة ان الكثير من القرائن يؤشر الى استمرار صيف حار بلوغاً لخريف قد يكون أكثر حرارة من المعتاد. * كاتب وإعلامي لبناني.