يشكو بعض الأطراف المسيحيين من ان الدور السياسي المسيحي في الأزمة اللبنانية القائمة والمرشحة بحسب المعطيات القائمة لأن تستمر شهوراً معطل ومشلول. وتظهر مجريات الأمور ان الاتصالات واللقاءات بين الموفدين الدوليين والإقليميين والقوى السياسية اللبنانية اخذت طابعاً شكلياً مع القوى المسيحية، كما يتردد ان هذه القوى سواء أكانت في الموالاة أم في المعارضة ليست في الصورة التي يفترض ان تكون فيها لجهة تحرك حلفاذها وخططهم المستقبلية. ويرى آلن عون عضو المكتب السياسي في"التيار الوطني الحر"ان الفريق المسيحي في لبنان يحاول تحييد هذا البلد عن التمحور الإقليمي الحاصل لأن المهم هو منع الانفجار وأن تلعب القوى المسيحية دور صمام الأمان في التشنج الحاصل. ويشير عون الى ان بعض المسيحيين لعبوا الى حد ما مثل هذا الدور حتى الآن وخففوا من وطأة الصراع الذي لم يتحول الى صراع سني - شيعي. ويقول عون إن القوى السياسية المسيحية تحاول إيجاد حل لمشكلة لبنان وحفظ دورها في الشراكة والاتفاق على صيغة تؤمن مشاركة الجميع والحد الأدنى من الاستقرار في لبنان وهي قد تنجح أو لا تنجح والأيام المقبلة ستظهر الى أي حد تستطيع ان تجنب البلد لعبة الدخول في المتاهات الإقليمية والدولية. ويعتبر ان الوضع المسيحي اليوم هو نتيجة تراكم اخطاء وبخاصة التحالف الرباعي الذي قام في الانتخابات النيابية عام 2005 وأدى الى تهميش الدور المسيحي. ويضيف عون ان هذا فرض على القوى السياسية المسيحية معركة استعادة مكانتها ودورها في الدولة مع ما نتج من ذلك من تحالفات على حساب مساهمتها في دورها التوفيقي والجامع بين جميع الأطراف السياسيين اللبنانيين حول الأمور الخلافية وفي طليعتها المحكمة وسلاح المقاومة. ويقول إن المسيحيين ليسوا طرفاً في المواضيع الشائكة والخلافية، فپ"التيار الوطني الحر"ليس لديه مشكلة في اقرار المحكمة وأعلن ذلك منذ البداية، والمسيحيون، معارضة وموالاة، هم مع قيام الدولة المركزية القوية وحل مشكلة السلاح وإن اختلفوا على مقاربة هذا الموضوع، مشيراً الى ان العماد ميشال عون لم ينجز ورقة التفاهم مع"حزب الله"لتكريس وجود السلاح على حساب الدولة بل لإيجاد اطار توفيقي وطني لحل هذه المشكلة. ويرى عون ان المعضلة الحالية في لبنان هي وجود خلاف في النظرة الى موضوعين أساسيين هما السلاح والمحكمة وانه اذا استمر هذا الانقسام الحاد حول الملفات المصيرية فنحن ذاهبون إما الى تدهور خطير يقود الى المجهول وإما الى مزيد من التدويل لا مكان فيه لأي تأثير فعال للقوى السياسية المحلية سواء أكانت مسيحية أم مسلمة ولا أحد يعرف مسبقاً ماذا ستكون حصته في الحل الآتي من الخارج. وتقول أوساط سياسية مسيحية اخرى إن مع الانسحاب الإسرائيلي من جنوبلبنان وترسيم الحدود في الجنوب اطلق البطريرك الماروني نصرالله صفير النداء الأول ويطالب فيه بإخراج سورية من لبنان لأن الخوف على خاصرة سورية انتهى وأن الوجود العسكري لهذه الدولة في لبنان لم يعد له ما يبرره. وتضيف هذه الأوساط ان على اثر النداء تشكل لقاء"قرنة شهوان"الذي رد عليه السوري في شهر آب اغسطس 2001 بالاعتقالات والتنكيل، بخاصة بعد مصالحة الجبل التي رعتها بكركي مع رئيس"اللقاء الديموقراطي"النائب وليد جنبلاط. وتقول ان الوضع بقي على ما هو عليه حتى مقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعودة العماد ميشال عون من المنفى وخروج رئيس الهيئة التنفيذية في"القوات اللبنانية"سمير جعجع من السجن. ثم دخلت المناطق المسيحية في لعبة الانتخابات النيابية عام 2005 على رغم بيان المطارنة الشهير الذي جاء فيه"اعذر من انذر"اعتراضاً على القانون الذي أجريت على أساسه الانتخابات. وتتابع هذه الاوساط قائلة إن هذه الانتخابات افرزت قوى سياسية اعتبر البطريرك صفير من خلالها انه اصبح للمجتمع المسيحي قياداته. ولكن الممارسة السياسية لهذه القوى في المناطق المسيحية ادت الى تعميق الشرخ والى تشتيت الصفوف مجدداً وهذا أدّى وبحسب هذه الأوساط، الى تهميش الحضور المسيحي ما دفع البطريرك صفير الى استعادة زمام المبادرة، وكان آخر دليل على ذلك بيان المطارنة الذي صدر في الرابع من شهر نيسان أبريل وحدد بعض الثوابت السياسية بوضوح والتي لم تعترض عليها أي قوة من القوى السياسية المسيحية الناشطة على رغم محاولة بعض هذه القوى تفسير هذه الثوابت كي تأتي متطابقة مع توجهاتها السياسية. وفي سياق هذا الوضع لوحظ ايضاً ان الوضع الدولي والى حد ما الإقليمي ألغى دور ومركز رئاسة الجمهورية الذي يمثل الفريق المسيحي في السلطة، وانعكس ذلك على ضعف الدور السياسي للمسيحيين. وتضيف هذه الأوساط انه انطلاقاً من هذا الواقع اضطرت بكركي الى القول"الأمر لي"وحددت في بيان المطارنة الأخير ما هو مقبول وما هو غير مقبول بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية المقبلة والتي من المفترض ان تتم في شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل. وتعتقد هذه الأوساط بأنه، وإنطلاقاً من معطيات الواقع الحالي، اصبحت بكركي المرجع الأساس وتمثل الشرعية المسيحية وأن الخاسر الأكبر سيكون القوى السياسية التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة. كما تعتقد هذه الأوساط بأن القرار السياسي المسيحي عاد الى المسيحيين وان تجاوز بكركي من الجميع لم يعد وارداً، والدليل ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري ارسل مشروع قانون الانتخابات الى البطريرك صفير ولم يرسله الى أي فريق سياسي مسيحي كما ان رئيس كتلة"المستقبل"النائب سعد الحريري زار بكركي واطلع سيدها على مضمون الحوار والمشاورات التي كان يعتزم اجراءها مع رئيس المجلس النيابي وطلب منه صفير اضافة بند قانون الانتخابات. وتخلص هذه الأوساط الى القول إن بكركي سيكون لها دور فاعل في مجريات العملية الانتخابية الرئاسية المقبلة تمهيداً لإشرافها على تفاصيل عودة الشراكة المسيحية الى السلطة بعد ان فقدتها لمدة تزيد على العشرين عاماً. وترى بعض الاوساط السياسية المسيحية ان الخلفية التي شكلت على اساسها لائحة الرابطة المارونية التي فازت في الانتخابات الأخيرة تهدف الى تجسيد كل الاطروحات السياسية المقبلة لبكركي في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ لبنان والتاريخ السياسي للموارنة في شكل عام وللمسيحيين في لبنان في شكل خاص.