تأتي دعوة البطريرك الماروني نصر الله صفير القيادات المارونية الى التشاور على مرحلتين في شأن الاستحقاق الرئاسي استجابة لسؤال بكركي عن دورها في توفير أجواء مواتية لانتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان في موعده الدستوري، على رغم ان رأس الكنيسة المارونية لم يتردد يوماً في التحذير من عدم تأمين انتقال هادئ للسلطة لما قد يرتبه ذلك من تداعيات أمنية وسياسية تجر البلد الى الفوضى والمجهول. وقالت مصادر مقربة من بكركي لپ"الحياة"ان صفير أراد من الدعوة الى التشاور تأكيد ان الكنيسة المارونية معنية كسواها في انتخاب الرئيس، ان لم يكن أكثر، لما سيحدثه الفراغ في السلطة من أضرار كبرى على مستقبل الموارنة والمسيحيين. وأكدت المصادر عينها ان بكركي لم تتهرب يوماً من تحمل مسؤولياتها الوطنية في الأيام العصيبة فكيف اذا كان الأمر يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية الذي يتطلب من صفير جهداً فوق العادة لقطع الطريق على المراهنة على فراغ في السلطة يدفع الجميع الى خيارات صعبة، مشيرة الى ان بكركي تتطلع من خلال دعوة القيادات المارونية للتشاور الى تحميلها المسؤولية أيضاً. ولفتت الى ان مبادرة بكركي تأتي رداً على السؤال عن دورها في الاستحقاق وأيضاً من رغبتها في السعي الدؤوب الى تقريب وجهات النظر بين القيادات المارونية لتمرير الاستحقاق الرئاسي بهدوء. وتابعت المصادر نفسها ان صفير كان يعتزم دعوة القيادات المارونية الى اجتماع موحد، لكنه عدل عن هذه الفكرة لسببين: الأول ان الأجواء لا تساعد على عقد لقاء موسع برعاية بكركي، والثاني الاختلاف حول أسماء المدعوين، إضافة الى ان اجتماعاً من هذا النوع يحتاج الى مزيد من تحضير الأجواء لضمان استمراريته من دون تعريضه الى انتكاسة في أول الطريق. وقالت المصادر ان صفير يريد ان يتجنب تكرار التجربة التي مر فيها سلفه البطريرك الراحل انطونيوس بطرس خريش عندما رعى اجتماعاً في السبعينات ضم في حينه قائد"القوات اللبنانية"بشير الجميل ورئيس تيار"المردة"النائب طوني فرنجية، لإتمام مصالحة بينهما، لكن ذلك لم يتم، وعلى العكس اغتيل النائب فرنجية وزوجته وابنته وعدد من مرافقيه في إهدن. كما ان استمرار الاحتقان بين رئيس تكتل"التغيير والإصلاح"العماد ميشال عون والقيادات المارونية في"14 آذار"يشكل عائقاً أمام عقد اجتماع ماروني موسع يليه اجتماع مسيحي عام، ناهيك بأن عون والوزير السابق سليمان فرنجية اقترحا على صفير دعوة الرؤساء الموارنة للأحزاب، وتحديداً رئيس حزبي"التضامن"إميل رحمة وپ"الوعد"جينا ايلي حبيقة الى الاجتماع. ما قابلته معارضة شديدة من القيادات المارونية في"14 آذار"بذريعة انهما لا يحظيان بحضور فاعل سواء في الشارع الماروني أو في الساحة المسيحية عموماً. وجاء رد الفعل من فرنجية، الذي قرر عندما تسلم من المطران سمير مظلوم الدعوة الى حضور الاجتماع، عدم المشاركة وتفويض"التيار الوطني الحر"بتمثيله. ولم يكن أمام صفير من حل بعد تعذر عقد اجتماع ماروني موسع، سوى عقد اللقاء على مرحلتين الأولى تخصص للقيادات المارونية في المعارضة - أي قوى 8 آذار - والثانية تقتصر على الموارنة في"14 آذار"، لأن عقده بهذه الطريقة افضل من صرف النظر عنه مع انه لا يبدي تفاؤلاً في الوصول الى قواسم مشتركة بين القيادات المارونية التي يبدو ان بعضها لن يشارك في الاجتماعين وسينتدب مسؤولين من الصف الثاني لتمثيله فيهما. وأكدت المصادر ان الأطراف الذين تسلموا من المطران مظلوم الدعوة الى حضور الاجتماعين، لم يتسلموا معها أي جدول أعمال، وانهم أبلغوا ان صفير سيفتتحهما بكلمة مكتوبة يشدد فيها على ضرورة انتخاب الرئيس محذراً من حصول فراغ في سدة الرئاسة، وانه سيتطرق الى ان الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس، وان كانت تحتاج لعقدها حضور أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان، فإن العرف يقضي أيضاً بعدم مقاطعة النواب الجلسة لأن مقاطعتها تعني مقاطعة للوطن. وإذ أشارت المصادر الى ان تحرك بكركي في اتجاه القيادات المارونية يحظى بتأييد من الفاتيكان أكدت ان صفير يحرص على مشاركة جميع النواب المسيحيين في جلسة الانتخاب، مبدياً قلقه من تسارع التطورات في المنطقة ما يستدعي مواكبتها بإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده. وكشفت أيضاً ان صفير سيطرح بعض الأفكار في الخطاب الذي سيلقيه أمام المجتمعين لتلمس قواسم مشتركة على رغم ان الأجواء ليست ناضجة للوصول الى تفاهم حول الرئاسة. وتابعت ان أحداً من الأطراف لا يستطيع إلا تلبية الدعوة وان بكركي ستحاول كخطوة أولى إقناع الجميع بضرورة التهدئة السياسية والإعلامية علّها تسمح بمواكبة التطورات وتبقي على اللقاءات التشاورية مفتوحة على أمل ان تسمح الظروف الدولية والإقليمية المحيطة بلبنان بانتخاب الرئيس، خصوصاً ان التحرك الخارجي باتجاه لبنان أخذ يتعاظم على خلفية ضرورة انتخاب الرئيس في موعده الدستوري. ولم تشمل الدعوة النواب الموارنة الأعضاء في"اللقاء النيابي الديموقراطي"برئاسة وليد جنبلاط أو في كتلة"المستقبل"النيابية بزعامة النائب سعد الحريري، لكن عدم دعوتهم لن تتسبب بمشكلة، فجنبلاط والحريري يدعمان كل تحرك يقوم به صفير للتصدي لأي فراغ في الرئاسة، علماً انه سيشارك في اللقاء المخصص لقوى 14 آذار، أحزاب:"الكتائب"وپ"الوطنيين الأحرار"وپ"الكتلة الوطنية"وپ"القوات اللبنانية"وپ"حركة التجدد الديموقراطي"برئاسة النائب السابق نسيب لحود، إضافة الى النواب الذين كانوا سابقاً أعضاء في"لقاء قرنة شهوان"