عندما وقعت معاهدة روما 1957 داعبت أحلام مختلفة مخيلة الآباء المؤسسين. فأحد هؤلاء، جان مونّيه، أراد بناء الولاياتالمتحدة الأوروبية. ومن جهته، تصور روبير شومان، زميل مونه، الإمبراطورية الرومانية الجرمانية المقدسة في حلة ديموقراطية. وجلي أننا بعيدون من هذه المخططات. ولكن اقتضى الولاياتالمتحدة الأميركية قرناً كاملاً لتستقر على الحال التي استقرت عليها. ونحن بلغنا بعض ما سعينا فيه. فسعيُنا في سبيل السلم الأوروبي أدرك غايته، وحل السلم بأوروبا. وهذا إنجاز تاريخي عظيم. فمن منا يفكر بعد في إعلان الحرب على جاره؟ ولا تشذ الأحزاب المتطرفة نفسها عن التزام السلم. وعلى خلاف هذا، لم نخط على طريق بناء أوروبا سياسية خطوات واسعة. ولعل عاملين لجما مسيرنا. فنحن نذرنا جهدنا ودأبنا الى أوروبا الغربية وحدها. ودام هذا الى أواخر ثمانينات القرن العشرين. واقتصرنا عليه. فلم يدر احتمال انهيار الستار الحديدي وجدار برلين ببال أحد. والحق أن معاهدة روما أشارت الى سريان المعاهدة على ألمانيا كلها"في الوقت المناسب". وكان هذا من باب التمني والتمسك بالأصول. ولا ريب في أن الأوروبيين كانوا على حق حين قرروا، على وجه السرعة، استقبال بلدان شرق أوروبا في الاتحاد. ولكنني أميل الى القول أن نهج الاستقبال كان ينبغي أن يكون أكثر حذراً، وأحسن إعداداً. وفي رأس الإعداد إعلام الشعوب بمسوغات التوسيع، وتنبيه الدول المرشحة لدخول الاتحاد. فكان حرياً بنا إبلاغ هذه الدول أن القاعدة التي تقضي بتخصيص البلد الواحد بمفوض، غير عملية، على خلاف ما فعلنا. فغلبنا نهجاً بيروقراطياً جامداً وخلواً من رؤيا سياسية حقيقية. وترتبت نتائج ملتبسة على هذا النهج. وأما الكابح الثاني فكان الموقف البريطاني وتصلب السيدة ثاتشر. واليوم، ينبغي الإقرار بأن أوروبا هي المعيار الذي يقتضيه الاضطلاع بدور مؤثر في الشؤون الدولية، كانت مفاوضة الصين على العلاقات التجارية أو كانت مفاوضة الولاياتالمتحدة على النقل الجوي. والدستور الأوروبي هو مصدر الوسائل الحقوقية والقانونية التي تمكننا من بلوغ المكانة المرجوة. فالبلدان السبعة والعشرون، مجتمعة، تتمتع بناتج إجمالي يفوق الناتج الأميركي. ولكننا أقل وزناً من الولاياتالمتحدة في كفة التجارة العالمية، والأوروبيون هم مصدر الهبات والقروض الأول. وعلى رغم هذا يستبعدون من رئاسة الهيئات المالية الدولية، ويتولى الأميركيون هذه الرئاسة. والى هذا تشكو الإدارة الأوروبية اختلاط الدوائر والصلاحيات. فأوروبا أي بروكسيل، عاصمتها الإدارية تسن التشريعات في مسالة مثل صيد الطرائد المتوطنة، وهي مسألة لا يرى المرء بعدها الأوروبي. فينبغي تقييد الصلاحيات تقييداً صارماً. وإذا لاحظ الرأي العام أن بروكسيل تغتابه، وتنيط بمكاتبها صلاحيات من وراء ظهره، فهو لن ينسى التجاوزات هذه. ويؤدي النهج هذا الى انقطاع أوروبا من المواطنين، والى الإيقاع بينها وبينهم. وعلينا التنبه، من وجه آخر، الى تناقضاتنا. فلا يسعنا، في آن، المطالبة بأوروبا اجتماعية وعقد العزم على الاحتفاظ بمستوى الحد الأدنى للأجر وبنظام الرواتب التقاعدية على ما هما عليه. وأحسب أن هذه المسائل يستحسن أن تعالج في الإطار الوطني وليس الاتحادي. وإحجام الوزراء عن التردد الى بروكسيل، على خلاف ما كانوا يصنعون، يعرقل التنسيق الأوروبي، ويقلص دور الدول فيه. ومنذ نهاية ولاية فرنسوا ميتران، وولاية هيلموت كول، لم ينخرط رئيس واحد في العمل الأوروبي انخراطاً حقيقياً. ومعاودة المفاوضة على الدستور الأوروبي، على ما يقال هنا وهناك، تكاد تكون مستحيلة. فالدول التي أقرت المعاهدة الدستورية لا ترى موجباً لإقرار معاهدة جديدة مختلفة. والدستور أدت إليه مفاوضات دقيقة وشاقة ومتوازنة. فالذين وافقوا على الرئاسة الدورية، اشترطوا وزيراً للخارجية. فإذا اقترح طرف تعديلاً اختلت موازنة العناصر كلها، واقتضى ذلك مناقشة جديدة عامة. وعلى هذا، فالمسألة ليست تعديل النص بل التماس سبل إقراره. وليس الاستفتاء العام هو السبيل الناجع أو القويم. فالاقتراع بنعم أو لا على نص من 400 مادة أمر مشكل. وإذا لم يثق المواطنون بالمسؤولين الحكام، وهي حالهم في ربيع 2005 تاريخ الاقتراع الفرنسي ثم الهولندي على الدستور الأوروبي بالرفض، فلا يتوقع تسليمهم بمعاهدة مثل المعاهدة الدستورية التي استفتوا رأيهم فيها يومها. عن فاليري جيسكار ديستان رئيس الجمهورية الفرنسي الأسبق، ورئيس المؤتمر الذي تولى صياغة الدستور الأوروبي، "لوبوان" الفرنسية ، 22 / 3 / 2007