مع إعلان المجلس الدستوري في فرنسا امس اسماء الذين تتوافر لديهم الشروط للترشح الى الرئاسة اكثر من عشرة مرشحين، تبدأ عمليا الحملة للدورة الاولى المقررة في 22 نيسان ابريل المقبل. ويجمع المراقبون ان حظوظ الوصول الى الدورة الثانية في 8 أيار مايو تنحصر بين المرشحين الثلاثة اليميني نيكولا ساركوزي والوسطي فرنسوا بايرو والاشتراكية سيغولان رويال. بعدما ظهر لفترة ان السباق سيكون بين ساركوزي ورويال، عندما حظي كل منهما بترشيح حزبه. لم يكن احد يحسب حساباً لبايرو وريث التيار الوسطي الذي تميز دائما بعلاقة مضطربة مع الاخ الاكبر اليميني. وحتى عندما وصل زعيمه فاليري جيسكار ديستان الى الرئاسة، كانت مشكلته الداخلية الابرز هي الصدام مع اليمين الديغولي الذي مثله آنذاك رئيس الحكومة جاك شيراك. وقل الاهتمام ببايرو الذي شارك حزبه الوحدة من اجل ديموقراطية فرنسية في الحكومات الاخيرة مع اليمين، بعد انتقال كثيرين من هذا الحزب الى ذلك الذي شكله ساركوزي الوحدة من اجل حركة شعبية، وبينهم رئيس الحكومة السابق جان بيار رافاران ووزير الخارجية فيليب دوست - بلازي وآخرون. كما اعلنت شخصيات سياسية محسوبة على تيار الوسط دعمها لساركوزي، ما حمل على اعتبار ان بايرو سيكون مجرد مرشح"صغير"، يكمل اللوحة السياسية التقليدية الفرنسية، الممتدة من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، مروراً بالوسط. خصوصاً ان الانتخابات الرئاسية السابقة وضعت الرجل في موقع المرشح الرابع، من حيث شعبيته التي اظهرت استطلاعات لاحقا انها لا تتجاوز 10 في المئة. في الاسابيع الماضية، قفزت هذه الشعبية الى حوالي 24 في المئة بفارق قليل مع رويال وساركوزي. هذه القفزة، او ما يمكن تسميته"ظاهرة بايرو"، ترتبط اساسا بالاعتراض الشعبي على رئاسة اشتراكية امتدت مع فرنسوا ميتران 14 عاما وعلى رئاسة يمينية خلفتها وامتدت 12 عاما مع شيراك. علماً ان الاختلاف بين برامج المرشحين تتعلق بالجوانب التقنية اكثر من كونها ترتبط بتغيير سياسي كبير. فنيات التصويت في الدورة الاولى تعكس الاقتراع الاحتجاجي والاقتراع العقابي. وهي في العادة تذهب الى أقصى اليمين وأقصى اليسار. والجديد هذه المرة انها ذهبت نحو الوسط. كل الاستطلاعات الحديثة، وآخرها نشر امس، تتوقع فوز بايرو في الدورة الثانية في مواجهة ساركوزي او رويال. لذلك ينبغي حرمانه من الوصول اليها. لذلك، عمد الحزبان الاشتراكي واليميني الى توزيع التوقيعات على كل المرشحين لخوض الدورة الاولى، علَّ كثرتهم تحرم بايرو من تركيز الاقتراع الاحتجاجي على إسمه. ومن جهة اخرى تركيز حملة كل من الحزبين على بايرو، بدل الاهتمام بعرض برنامجيهما، خصوصا لجهة دعوته"المثالية"الى إشراك الاكفياء من اليمين واليسار في حكوماته في حال فوزه، وعدم تمكنه من إحراز غالبية برلمانية حاسمة تضمن استقرار الحكومات، واضطراره الى ائتلافات وتسويات تضعف الموقع الرئاسي، ولقلة خبرته في إدارة شؤون الدولة. هذه الحملة لم تضعف الرجل. على العكس، قد تكون ساهمت في تحوله الى المرشح الجدي، بدليل استقرار شعبيته عند نسبتها المرتفعة التي تتساوى او تقل قليلا عن رويال وتقل بنقاط قليلة عن ساركوزي. لكن مصدر قلق المرشحين الاخيرين يتعلق باحتمال ان يواجه اي منهما بايرو. فبالنسبة الى رويال سيكون تأهل بايرو الى الدورة الثانية على حسابها. وساركوزي يملك فرصة في مواجهة رويال، لكن هذه الفرصة تنعدم في مواجهة بايرو. لذلك تجمع ساركوزي ورويال مصلحة في المطالبة برأس مرشح الوسط في الدورة الاولى. تأهل بايرو سيجعله بالضرورة حليفا للفريق الخاسر في الدورة الاولى، وسيراكم شعبيته وشعبية هذا الفريق. ففي مواجهة رويال سيخوض معركة تميل الى اليمين لاستقطاب ناخبي ساركوزي. وفي مواجهة الاخير ستكون معركته اكثر يسارية لاستقطاب الاشتراكيين. وقد يكون مثل هذا السيناريو الاكثر ترجيحا، في حال وصوله الى الدورة الثانية.