وضع الفرنسيون ثقتهم كاملة بالرئيس فرنسوا هولاند، فبعدما اصبح اول اشتراكي يتولى سدة الرئاسة منذ 17 سنة، تمكَّن الاشتراكيون وحلفاؤهم من السيطرة على المؤسسات الدستورية الرئيسية الثلاث في البلاد، بحسب نتائج اولية للدورة الثانية من الامتخابات البرلمانية امس. وبنتيجة هذه الدورة، أحكم اليسار سيطرته على مجمل مراكز القرار، بدءاً بالرئاسة والحكومة، مروراً بالبلديات، وصولاً الى السلطة الاشتراعية في البرلمان، إضافة الى مجلس الشيوخ الذي انتقلت الغالبية فيه إلى اليسار في انتخابات الخريف الماضي. واظهرت النتائج الاولية فوز الاشتراكيين بما يتراوح بين 312 و326 مقعدا، علما ان الغالبية المطلقة هي 289 مقعدا، ما يعني انه كسب رهانه في استعادة الغالبية من دون الخوض في تسويات مع حلفائه انصار البيئة الذين حصلوا على ما يراوح بين 18 و 23 مقعدا. وحصل حزب الاتحاد على ما يراوح بين 212 و230 مقعدا، ودفع بالتالي مجددا ثمن الرفض الشعبي لاسلوب الرئيس ساركوزي والانقسامات في صفوفه، فيما تمكنت الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة من العودة الى صفوف البرلمان بما يراوح بين 1 و 3 مقاعد. كما تمكن المحامي الشهير جيلبير كولار تأمين مقعد نيابي لليمين المتطرف، فيما افادت النتائج الاولية ان زعيمة الجبهة مارين لوبن تعادلت مع منافسها الاشتراكي فيايب كيميل بحصول كل منهما على 50 بالمئة من الاصوات، وهي حالة نادرة جدا تقتضي اعادة عد الاصوات. وشكل النباء السيء الوحيد بالنسبة للاشتراكيين الهزيمة المرتقبة لصديقة الرئيس فرانسوا هولاند السابقة سيغولين رويال التي بات مستقبلها السياسي على المحك، خصوصا انها راهنت في حال فوزها على ترؤوس البرلمان. ويبدو مصير زعيم حزب الوسط فرانسوا بايرو موضع تساؤل بعدما اشارت النتائج الاولية الى هزيمته، فقدانه للمقعد الذي يشغله منذ العام 1986. لكن هذا الفوز لا يقلل صعوبة الملفات التي يتوجب على الحكم الجديد التعامل معها على الفور، وهو ما عبر عنه رئيس الحكومة جان مارك ايرولت بقوله إن المشكلات المطروحة فرنسياً واوروبياً «تستدعي قرارات ستكون صعبة في بعض الاحيان»، معتبراً ان قوة الرصيد الذي يتمتع به الحكم الجديد «ستساعدنا على مواجهة التحديات بشكل افضل». وفي موقف مشابه، قالت الامينة العامة للحزب الاشتراكي مارتين اوبري، إن اخراج الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي من الرئاسة لا يعني ان المهمة أنجزت، بل دعت الفرنسيين الى الالتفاف حول توجهات الاشتراكيين. وخذلت نتائج الدورة الثانية اليمين في رهانه غير الواقعي على امكان الاحتفاظ بغالبية برلمانية تضع فرنسا في حال تعايش بين رئيس اشتراكي وبرلمان يميني، ذلك ان الحملة التي خاضها اليمين عكست التباين والتنافس القائمَيْن بين رموزه، و التي كان ساركوزي عمل على لجمها على امتداد عهده. ويبدو حزب «الاتحاد من اجل حركة شعبية» اليميني الحاكم سابقاً، في وضع صعب مماثل للذي اختبره الاشتراكيون بعد انتقال الرئاسة من الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران الى الرئيس اليميني السابق جاك شيراك. ويتوقع ان يشهد الحزب الكثير من التجاذبات وتصفية الحسابات الداخلية في المرحلة المقبلة. وعزا مراقبون التدهور في صفوف اليمين الى إحباط اصاب ناخبيه. وأفادت وزارة الداخلية الفرنسية عن تراجع في نسبة الاقبال على الاقتراع مقارنة مع الدورة الاولى يوم الاحد الماضي، التي اتسمت بنسبة قياسية من الامتناع عن التصويت. واشارت الوزارة إلى أن 46.16 في المئة من الناخبين شاركوا في الدورة الثانية مقارنة ب48.31 في الدورة الاولى.