على رغم اصرار واشنطن على أن ثوابتها في العراق لم تتغير، خصوصاً لجهة رفض أي حوار مباشر مع ايران أو سورية ، عكس مؤتمر بغداد، والذي سيلحقه مؤتمر اسطنبول لوزراء الخارجية، تحولاً في الاستراتيجية الأميركية نحو البراغماتية وسياسة الاحتواء في التعامل مع المأزق العراقي، بحسب بعض الخبراء ومقربين من الادارة الأميركية الذين اعتبروا أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس هي"المحرك الأقوى"لهذه السياسة على حساب نائب الرئيس ديك تشيني. ويشير المحلل السياسي في مجلة"تايم"سكوت ماكلويد الى أن رايس لعبت دورا مباشرا في التحضير للمؤتمر منذ بداية العام، وأن اعلانها مشاركة الولاياتالمتحدة رسمياً آخر الشهر الفائت في الوقت نفسه الذي كان نائب الرئيس خارج الولاياتالمتحدةباكستان له دلالتان: الأولى أن تشيني، الذي يعتبر من أكثر الصقور تشدداً في الادارة،"لم يبارك الخطوة"وهو ما انعكس في التصريحات المتضاربة بين البيت الأبيض والخارجية حول مخاطبة ايران في المؤتمر أو مقاطعتها. والثاني أن دور نائب الرئيس بدأ يتراجع في المسألة العراقية، خصوصاً بعد استقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد والسفير لدى الأممالمتحدة جون بولتون بعد انتخابات الكونغرس، وهما من المقربين اليه. ويشير ماكلويد الى أن رايس نجحت حيث فشل سلفها كولن باول، في استرداد سلطة القرار للخارجية، وتعاظم دور الوزارة في إمساك ملف الحرب بعد تعيين السفير السابق في العراق جون نيغروبونتي نائباً لرايس، وأخيراً أليوت كوهن أحد أبرز المنتقدين لعملية الاعمار في مرحلة ما بعد الحرب كمستشار لها. ويرى المراقبون أن خطوة رايس وموافقتها على المشاركة في المؤتمر جاءت استجابة للضغوط المتراكمة على ادارة الرئيس بوش، والدعوات المتكررة، سواء من لجنة بيكر - هاملتون التي يندرج المؤتمر ضمن توصياتها، أو قيادات نيابية لعقد مؤتمر كهذا. ويؤيد مسؤولون بارزون، يتقدمهم السفير الجديد في الأممالمتحدة زلماي خليل زاد الذي فوض لاستشارة حول العراق السنة الفائتة والسفير الجديد في بغداد ريان كروكر، خطوة كهذه الى جانب مساعد رايس في الشؤون العراقية ديفيد ساترتفيلد، فيما يعارضها صقور الادارة مثل اليوت ابرامز ونائب وزير الدفاع أريك أدلمان ، الذين يفضلون تكثيف الضغوط وعزل دمشق وطهران قدر الامكان. ونقلت صحيفة"واشنطن بوست"أن هؤلاء عارضوا أيضا جهود رايس في الملف النووي الكوري الشمالي والذي قاده مساعدها كريستوفر هيل وتوصل الى اتفاق مبدئي لنزع سلاحها النووي، فيما توكل رايس الى ديفيد ويلش مهمة الملف الفلسطيني-الاسرائيلي ونيكولاس بيرنز الملف الايراني. ويقول ساتترفيلد ل"الحياة"، ان"استقرار العراق بات عنصراً أساسياً لاستقرار المنطقة"، محذراً من ان الحرب الأهلية في العراق"لن ينحصر دخانها داخل بغداد"، ومن هنا ضرورة اشراك دول المنطقة للخروج من الأزمة. وسيتبع مؤتمر بغداد مؤتمر على صعيد الوزراء تستضيفه اسطنبول في نيسان أبريل وتشارك فيه رايس. ويشير ساترتفيلد الى أن هذه المؤتمرات تنحصر في الشأن العراقي، ولن تتناول بتاتاً تداول أي صفقات مع ايران حول ملفها النووي أو مع سورية حول لبنان. وتلقى الخطوة دعما من نواب بارزين في الحزبين الجمهوري والديموقراطي، بينهم المرشحان البارزان للرئاسة في 2008 هيلاري كلينتون وجون ماكين، والذين يراهنون على تحسن الوضع في العراق قبل موعد الانتخابات، كونهم صوتوا مع قرار الحرب التي فقدت تأييد أكثرية الرأي العام الأميركي اليوم.