كان يفترض أن يُبعد تقرير الاستخبارات الأميركية عن وقف إيران برنامجها النووي العسكري شبح الحرب عن الخليج، وقد قرأت كثيراً وسمعت عن انفراج الوضع، إلا أنني أخشى أن يكون الانفراج زائفاً أو عارضاً، فعصابة الحرب لا تزال تحاول، وإسرائيل تحاول معها، وحلف الشر بينهما قويّ جداً. إسرائيل رفضت رأي 16 جهاز استخبارات أميركياً، لأنها تريد حرباً على إيران لأسباب تتجاوز البرنامج النووي الى الهيمنة وضرب العرب والمسلمين، أو ضربهم بعضاً ببعض. ومنذ صدر التقرير قرب بداية الشهر وإسرائيل ترسل الوفود السياسية والأمنية والعسكرية لإقناع الإدارة بخطأ التقرير الأميركي، ولوضع استراتيجية إحباط أي توجه لإبعاد خطر الحرب. الجهود الإسرائيلية أقلها معلن، وأكثرها سرّي بين عصابة الحرب بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني ولوبي إسرائيل المعروف، وبعض المتطرفين في الكونغرس. أفضل إنجاز لإدارة بوش على امتداد 2007، هو إنجاز محدود ونسبي، كان انخفاض العنف في العراق، وقد اعترفت مصادر أميركية بدور بارز لإيران في تحجيم عمليات حلفائها، وكان بين هذه المصادر ديفيد ساترفيلد، مستشار وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، والسفير في بغداد ريان كروكر. وتقديري الشخصي أن الموقف الإيراني هذا"رسالة"الى الأميركيين، فإيران تقول إنها قادرة على رفع الضغط عن القوات الأميركية في العراق، وقادرة على زيادته أضعافاً، وهي بالتأكيد تريد ثمناً. عصابة الحرب لا تريد دفع أي ثمن، بل هي تسعى لفرض عقوبات جديدة على إيران لاستفزازها، وحتى تعود لتحريك جبهة المقاومة في العراق، فتوفر ذريعة للذين يصرون على حرب أخرى في الشرق الأوسط ستجعل حرب العراق تبدو كتلك"النزهة"التي وعدونا بها. في الأسابيع التي تلت صدور تقرير الاستخبارات عن برنامج إيران النووي تسربت أخبار، من مصادر رسمية لم تُنفَ، خلاصتها أن الرئيس بوش ونائبه تشيني كانا يعرفان منذ آخر 2006 أن تقرير أجهزة الاستخبارات يسير في اتجاه إعلان وقف إيران البرنامج العسكري سنة 2003. وقد حاول مكتب تشيني التدخل لتغيير صوغ التقرير، فعارض ذلك بشدة مدير الاستخبارات العامة جون نغروبونتي واستقال في كانون الثاني يناير. أرجو أن يثق القارئ العربي بأنني لا أكتب تمنياتي، ولا موقف شخصياً لي، وإنما أنقل عن مصادر أميركية خالصة، فأزيد مذكراً القارئ بأن هذه المعرفة بتوجه معلومات الاستخبارات لم تمنع الرئيس بوش من الحديث قبل شهرين عن حرب عالمية ثالثة إذا لم توقف إيران برنامجها العسكري الموقوف بحسب ما وصل إليه وتشيني من التهديد بأوخم العواقب، أي بحرب. بل إن الرئيس، وبعد صدور التقرير، صرح بأن"كل الخيارات لا يزال على الطاولة"، أي أن خيار الحرب لا يزال قائماً، ثم طالبها بأن تشرح لماذا كان عندها برنامج نووي عسكري سري. أنا أشرح له. إسرائيل عندها ترسانة نووية وصواريخ لإيصالها الى أهدافها، وبما يتجاوز الشرق الأوسط، وواجب كل دولة في الشرق الأوسط، حتى البحرين والإمارات العربية المتحدة، أن تسعى لامتلاك أسلحة نووية لحماية شعبها ضد الخطر الإسرائيلي. طبعاً أن تمتلك إيران قنبلة نووية يعني أن يصبح الخطر على دول المنطقة الأخرى خطرين، ولو أن إدارة بوش سعت لتجريد الشرق الأوسط كله من أسلحة الدمار الشامل لسرنا في ركابها وأيدناها مرة نادرة في تاريخ التعامل معها. لا أعتقد أن جورج بوش يقرأ هذه الزاوية أو غيرها، لذلك يبقى الخطر على المنطقة قائماً، وإسرائيل رفضت التقرير الأميركي، وقال رئيس الوزراء إيهود أولمرت ان إيران لا تزال تمثل خطراً كبيراً، بل ان برنامجها"مشكلة عالمية"، وأراه مشكلة لدول الخليج ولكن ليس لإسرائيل، وحتماً ليس للولايات المتحدة، أو العالم. الصحف الإسرائيلية أيدت موقف الحكومة وتحدثت عن إمكان قيام إسرائيل وحدها بتوجيه الضربة هي أقرب الى إيران مما يعتقد القارئ فلها وجود مكثّف في كردستان العراق. وهي إن فعلت ستلقى تأييداً فورياً من تشيني وعصابة الحرب، فنائب الرئيس قبل كل مزاعم إسرائيل عن الغارة على هدف سوري، وهو بالتأكيد سيشمل سورية بأي عمل عسكري لو استطاع ذلك. أرجو أن يكون تقرير الاستخبارات العسكرية الأميركية صحيحاً هذه المرة، فبين مصادر المعلومات علي رضا أصغري، الذي كان من أركان وزارة الدفاع الإيرانية. ثم أرجو أن يحبط الفريق المعارض للحرب جهود عصابة الشر، فالوزيرة رايس ووزير الدفاع روبرت غيتس يحظيان بتأييد القادة العسكريين الذين يعرفون فظائع أي حرب بعكس تشيني المتهرب من الجندية والجبناء حوله الذين يريدون أن يموت الناس الآخرون لخدمة مصالح إسرائيل أو طموحات إمبراطورية إمبريالية جديدة.