ايران ليست ليبيا. مرشد الثورة شيء وقائد الثورة شيء آخر. النظام الذي أرساه آية الله الخميني يختلف عن النظام الذي أرسته ثورة الفاتح من سبتمبر. طهران متهمة بأحداث عدة لكنها ليست عالقة في فخ لوكربي. الحل الليبي للأزمة النووية الايرانية ليس وارداً أو مطروحاً. ايران ليست كوريا الشمالية. ليست ترسانة صاروخية غارقة في بحر من الجياع. ليست نظاما فقيرا يحاول سد رمقه بمردود بيع الاسرار العسكرية. محمود احمدي نجاد ليس كيم جونغ ايل. ليس صاحب الكلمة الأخيرة او الارادة التي لا ترد. ثمة من نافسه في الانتخابات. ولانتهاء ولايته موعد معروف ومعلن. في البلاد من يجرؤ أحياناً على انتقاده او التساؤل عن جدوى سياساته."الزعيم المبجل"شيء آخر. الحل الكوري للأزمة النووية الايرانية ليس وارداً أو مطروحاً. لا تريد ايران الحل الليبي. وربما كانت محقة فهو ليس وصفة عجائبية تصلح لكل مكان وزمان. ولا تريد الحل الكوري لاختلاف الظروف والامكانات والمحيط والمطالب. وربما كانت محقة خصوصا ان تجربة الحل الكوري لا تزال في أولها ومن يدري فقد يتبدل مزاج"الزعيم المحبوب"ويعاود رياضة الابتزاز النووي. لكن السؤال هو عن الحل الذي تريده ايران وعن مطالبها الحقيقية من الأزمة الحالية. لنترك جانباً الهدير المتصاعد على خط العلاقات الاميركية - الايرانية. ففي تاريخ هذه العلاقة من الغرام والانتقام ما يساعد على فهم أزمتها العميقة. الأخطر هو ما قاله الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي أعرب عن قلقه العميق لأن ايران لم تحترم المهلة التي اعطاها إياها مجلس الأمن لوقف التخصيب، مكرراً مطالبته إياها بالامتثال لقرار الشرعية الدولية. الاصطدام بالولاياتالمتحدة شيء والاصطدام بالشرعية الدولية شيء آخر. لهذا يتجدد طرح السؤال عما تريده ايران. فلو كانت تتطلع فقط الى الطاقة النووية للاستخدام السلمي لما عجزت عن توفير الضمانات والتطمينات. وواضح انه في حال من هذا النوع ما كان لمجلس الامن ان يقر عقوبات ضدها خصوصاً ان الدول الدائمة العضوية، باستثناء الولاياتالمتحدة، لا ترغب في مواجهة مع طهران او في توفير ذرائع تبرر لإدارة جورج بوش اطلاق مثل هذه المواجهة. يمكن القول ان ايران لم تعتمد في مخاطبة العالم لغة توحي بأن كل ما تتطلع اليه هو امتلاك الطاقة النووية للاغراض السلمية. فمنذ انتخابه دأب محمود احمدي نجاد على مخاطبة العالم بلغة من خارج القاموس الذي يسهل الاقناع والعثور على اصدقاء ويساعد على اجتناب العزلة. بدا نجاد راغباً في فرض ارادة بلاده على اهل الاقليم والعالم. هذه اللغة ساهمت في إحراج دول متعاطفة مع ايران كالصين وروسيا ودول ليست معادية لها أصلاً كفرنسا والمانيا. استخدم احمدي نجاد لغة أوحت ان بلاده تريد انتزاع ما تعتبره حقها في امتلاك القنبلة وفي زعامة الاقليم ايضاً. لا مصلحة لأهل المنطقة في حرب اميركية - ايرانية. ولا مصلحة لهم في امتلاك ايران قنبلة نووية تجعل العلاقات المتكافئة معها متعذرة ان لم نقل مستحيلة. ولا مصلحة لأهل المنطقة في ان تصبح ايران الشريك المحلي لاميركا في شؤون المنطقة وشجونها. مصلحتهم العمل لإخلاء الاقليم من السلاح النووي وان يكون لايران فيه دور يتناسب وحجمها وقدراتها وتاريخها العريق من دون ان تمتلك حق امتلاك الاوراق داخل حدود هذه الدولة او تلك. مع عودة الملف الايراني مجدداً الى مجلس الأمن يحق لأي مراقب ان يتساءل مجدداً عما تريده ايران؟ ومن حقه ايضاً ان يسأل لماذا تعتمد طهران اسلوب حافة الحرب وحافة الهاوية في حين يمكنها تفكيك الجبهة الدولية المعارضة لتوجهاتها بمجرد تقديم تطمينات جدية والقيام بخطوات ملموسة. نقول ذلك لأن الافراط في السير على الحبل النووي يهدد بالوقوع في كارثة خصوصاً في ضوء الوضع الحالي في العراق. ان التعامل مع العالم بأسره على قاعدة المواقف التصعيدية القاطعة وربطها بالكرامة الوطنية ينذر بدفع المنطقة الى مواجهة ستكون ايران الخاسر الكبير فيها مهما نجحت في إلحاق اضرار بالآخرين.