لا مصلحة للعرب في ان تقوم بينهم وايران حالة توتر او عداء او مواجهة. دروس التاريخ القديم والقريب تؤكد ذلك. ولا مصلحة للعرب في مواجهة أميركية - إيرانية ستدور بالضرورة فوق حقول قابلة للاشتعال ما يجعل متعذرا ضمان ضبط الشرارات داخل مسرح المواجهة. مصلحة العرب الفعلية هي في علاقات تعاون واسعة مع الجار الايراني. ومن شأن هذه العلاقات ان تحصن المنطقة في وجه رياح زعزعة الاستقرار. ولا يحتاج العرب الى من يذكرهم بأهمية المشاركة الايرانية في أي ترتيبات جدية لضمان الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية لاستقرار الاقتصاد العالمي. ولا مصلحة لايران في ان تكون مصدر قلق للدول العربية، سواء عبر"تصدير الثورة"أو محاولة انتزاع زعامة الاقليم على دوي المواجهة الديبلوماسية والإعلامية مع دولة عظمى. وبمقدار ما يحق لإيران ان تطالب العرب بمخاطبتها بما يتفق ومصالحها وثقلها يحق للعرب مطالبتها بأن تخاطبهم، آخذة في الاعتبار مصالحهم ومخاوفهم والثقل الذي يفترض ان يكون لهم. نكتب ذلك ونحن نطرح سؤالاً بديهياً ومشروعاً هو: ماذا تريد ايران من الهجوم الذي تشنه منذ انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد وتقاعد خاتمي والخاتمية معاً. هل تريد طهران امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية فقط وهذا ما تجيزه القوانين الدولية؟ ام انها تريد النوم قريباً على حرير القنبلة النووية؟ هل تريد الاشتباك مع القوة العظمى الوحيدة في العالم ام تريد من تلك القوة الاعتراف لها بحقها في ان تكون شريكة لها في البحث في حاضر المنطقة ومستقبلها؟ هل تريد طرد"الشيطان الاكبر"من المنطقة ام تنظيم الرقصة معه، على قاعدة الاعتراف المتبادل بالمصالح والأدوار؟ لا بد أولاً من الاعتراف بالبراعة الايرانية في اختيار التوقيت. اطلقت ايران الامتحان النووي في وقت يتخبط فيه الاحتلال الاميركي للعراق وتتراجع فيه شعبية الرئيس جورج بوش، بعد تراجع صدقيته بفعل حرب لم تكن مبررة أو ضرورية. وهذا يعني انها تحاول ارغام ادارة بوش على الاختيار بين مجازفة عسكرية قد تدمي المنطقة برمتها او التوجه نحو قبول ايران بوصفها اللاعب الاكبر في الشرق الاوسط، مقدمة لابرام صفقة معها. ولا بد ثانياً من الاعتراف بأن طهران نجحت في تصوير الامتحان النووي كأنه مبارزة بينها وبين اميركا من جهة وبينها وبين اسرائيل من جهة اخرى. من حق ايران ان تدافع عما تعتبره مصالحها. وبديهي ان تسعى دولة بموقعها وثقلها السكاني والنفطي وقدراتها وذاكرتها الى تعزيز دورها وتوسيعه. لكن حين تمس نتائج الامتحان مستقبل المنطقة من حق العرب ان يلتفتوا ايضاً الى مصالحهم ودورهم. والسؤال هو: هل ستفاوض ايران انطلاقاً من الأوراق العائدة اليها اصلاً ام انطلاقاً ايضاً من الأوراق التي جمعتها على الملعب العربي وبينها حضورها القوي على الساحة العراقية وتحالفها مع سورية و"حزب الله"و"حماس"؟ لم يكذب احمدي نجاد على الايرانيين حين وعدهم ب"الأنباء السارة"، ثم زف اليهم نبأ دخول بلاده النادي النووي. لكن نجاد تحدث لاحقاً عن تحول ايران قوة عظمى وعن قدرتها على مخاطبة العالم من موقع قوة. لا مصلحة للعرب في العداء لإيران لكن أليس من حقهم الالتفات الى التحول الكبير الذي ستشكله ولادة دولة كبرى في الاقليم؟ أو ليس من واجبهم رصد مسار الامتحان النووي، سواء انتهى بمواجهة باهظة ام بصفقة كبرى؟ المواجهة، كما الصفقة، تعني الامن والاستقرار والادوار وسعر النفط والاحجام وموقع العرب في الاقليم والعالم.