يذهب المخرج السوري سامي الجنادي في مسلسله الدرامي الطويل "رجل الانقلابات" إلى قرية نائية ومفترضة وبعيدة، ليقرأ الأحداث السياسية في مرحلة زمنية معينة من تاريخ سورية بين 1949 و1951، من خلال شخصية محورية يؤديها باقتدار الممثل السوري أيمن زيدان. ويوضح الجنادي في حواره الى"الحياة"إن"رجل الانقلابات هو لقب أطلق على شخصية معروفة، ولعبت دوراً كبيراً في تاريخ سورية الحديث، وأبو حسنا لعب دوره أيمن زيدان هو المعادل المفترض لوجود مثل هذه الشخصية. فهو رجل لم تكن لتعنيه الأشياء في قريته لولا خطأ ارتكبه بحقه مخبر سري صغير. وكان هذا المخبر لعب دوره أندريه سكاف ينوي الاقتران بابنته حسنا، إلا أنه اصطدم برفض الأب ما دفعه لأن يكتب عنه تقريراً، فيقلب بذلك حياته رأساً على عقب، ويجعله مسؤولاً عن أربعة انقلابات جرت في الفترة الواقعة ما بين 1949 و1951 من دون أن تكون له يد في ذلك". المخرج الجنادي الذي انتهى للتو من تصوير مسلسله الجديد في ظروف مناخية قاسية، وفي فترة زمنية قياسية 74 يوماً لا يرى في ذلك استسلاماً للشركات المنتجة من قبله كمخرج، ويقول:"نحن نبحث عن فسحة من الزمن تقابلها فسحة مالية موزعة على الديكورات والملابس والممثلين، وما يبقى أمامك هو السيطرة على أدواتك من أجل أن تقدم بعض الأشياء التي تحب". ويرى سامي الجنادي الذي بدأ عمليات المونتاج إن عمله هذا يشكل انعطافة في تجربته على صعيدي الشكل والمضمون. فهو يستعين بالممثل السوري القدير ناجي جبر ليؤدي ربما أطول دور له في الدراما السورية بعد طول غياب. وهو دور المختار المؤثر والفاعل في القرية التي تتأثر كما غيرها من القرى السورية بسلسلة من الانقلابات المثيرة للجدل. ويقول:"ناجي جبر يقوم هنا بالبحث عن أداء مختلف لم يعتده الجمهور من قبل، وهذا مصدر سعادة بالنسبة إليّ". وعما إذا كانت القرية المفترضة تشكل هروباً من واقع سياسي يقول:"ليست مسألة هروب أبداً، فالشخصيات الدرامية لا تستند إلى وثيقة تاريخية بعكس الحدث الذي يستند إلى هذه الوثيقة. وهذه الشخصيات مستمدة من مفردات الحياة ولها بنية درامية، وهي من خيال المؤلف. ولكي تنسجم وحدة الأسلوب مع هذه الشخصيات الخيالية كان لا بد من البحث عن واقع لا يستند إلى وثيقة جغرافية، وبالتالي يصبح على المشاهد - لو رغب - أن يحدد مواطن هذه الجغرافيا ضمن البلد من دون البحث عن تفسيرات أو تأويلات في اللهجة التي لا نفرد لها حيزاً كبيراً في عملنا". ويوضح الجنادي أن رجل الانقلابات أيمن زيدان يوازي في حضوره شخصيات أخرى مؤثرة مثل رئيس المخفر وپ"أبو ناصيف"، ولكنه كموضوع هو في مركز الحدث، على رغم أنه واحد ضمن مجموعة ممثلين. ويضيف:"أما دور ايمن زيدان فجاء مختلفاً عن أدواره الكوميدية السابقة، فهو هنا ممثل بملامح جادة وسط جوقة كوميدية مفترضة، وهذه تحسب لأيمن، فهو واثق من حضوره وامكاناته في هذا الحيز. وهذه برأيي شجاعة وجرأة من جانبه تبعث على اعتزازي به كممثل". وحول استخدام عناصر غير واقعية في مسلسل تدور فيه انقلابات واقعية يقول الجنادي:"هذه مسألة تحتاج إلى توضيح، فهي تجيء في سياق فهمي للفن. فما أصوره ليس واقعاً تبنيه بمفردات واقعية، بل بشرط فني بالغ الخصوصية. إذ انطلقنا من فترة زمنية محددة، وكانت فلسطين قد سقطت للتو، وسقطت معها الكثير من القيم والأشكال والأخلاق... وبنينا على هذه الأرضية الواقع الدرامي المطلوب". وحول اختيار هذه المرحلة بالذات يقول:"أعتقد بأن المرحلة التي تطرقت إليها في المسلسل أسست لكل تاريخ سورية الحديث، فحتى عندما يستوقفك نموذج ما وتحاول قراءته، فإنك بذلك تعطي ملمحاً، ولو ظهر غير كافٍ، فإن العمل يكون قد فشل ولم يؤد وظيفته بالشكل المطلوب". وفي مثل هذه الحال لا يخفي الجنادي إن المشاهد هو من يحكم، ويقول:"أنا لدي اعتقاد شخصي ان جمهورنا البسيط أذكى مما نتصور، وبديهيته حاضرة أكثر منا، وهذا ليس تواضعاً مني، فهذا الجمهور أصبح الآن على تواصل مع كل جديد، وعلينا أن نعي ذلك جيداً".