يتعرّض أساتذة الجامعات المنصفون في موضوع النزاع العربي - الإسرائيلي للاضطهاد والإرهاب في الجامعات الأميركيّة بهدف إرغامهم على الصمت، أو طردهم إن لم يفعلوا. وتنظّم الحملات عليهم عصابة معروفة من الصهيونيين المتطرّفين وأنصار إسرائيل، وثمّة أصبع إسرائيلي مباشر في العمليّة كلها. الأسماء كثيرة من شرق الولاياتالمتحدة إلى غربها، والقارئ المهتمّ سيجد مادة موسوعية عن الموضوع، أما اليوم فأكتفي بمثَل واحد هو البروفسور الشجاع جورف مسعد، من جامعة كولومبيا، فقضيّته موثّقة جيداً، وكنت جمعت عنها معلومات بعد أن كتبت عن"مراقبة الحرم الجامعي"وهو جهد إسرائيلي الهوى بدأه المتطرّف المعروف دانيال بايبس صاحب عصابة"مراقبة الإسلاميين"مع مارتن كريمر. ولعلّ من القرّاء مَن يذكر أن بايبس كان موضوع حلقات كتبتها السنة الماضية. وبايبس هاجم مع الدكتور مسعد أساتذة آخرين مثل رشيد الخالدي وفواز جريس وجون اسبوزيتو. الدكتور مسعد أستاذ مساعد للسياسات العربيّة المعاصرة والتاريخ الفكري في دائرة الشرق الأوسط واللغات والثقافات الشرقيّة في جامعة كولومبيا. وكان انضمّ إلى الجامعة سنة 1999 وعلّم فصلاً عن موضوع تخصُّصه من دون إثارة أي جدل. إلاّ أن أنصار إسرائيل المحترفين وجدوا موضوعيّة مسعد خطراً على التزامهم المتطرّف، فكان أن شنّوا عليه حملة طُبخت بليل، حتى انتهى الأمر إلى عصابة تُعرف باسم مشروع داود في بوسطن أنتجت فيلماً كذّب على طريقة أسباب حرب العراق، وكان عنوانه"غير لائق بكولومبيا"، واضطرّت إدارة الجامعة تحت الضغط إلى تشكيل لجنة للبحث في"التخويف"داخل الحرم الجامعي، بعد أن قلبت الحقيقة على رأسها وطعنت في الصدر والظهر، لأنّ"التخويف"الذي زعمته عصابة إسرائيل هو ما مارس الأستاذ لا ما مارست العصابة بحقّه. وأختار من دفاع الدكتور مسعد عن نفسه أمام اللجنة، فهو حكى عن بدء عمله في كولومبيا، وكيف أنه بعد انتهاء الفصل الأول سمع أنّ الصهيونيين في الجامعة غاضبون عليه، وكذلك بعض المنظمات اليهودية في الخارج. في الفصل الثاني، في ربيع 2002، لاحظ الدكتور مسعد أنّ عدد طلاب المادة زاد كثيراً، مع وجود طلاب مشاغبين بعضهم يوزّع منشورات دعائية إسرائيلية. وكانت هناك طالبة قالت إنها يهودية من جنوب افريقيا تسأل أسئلة كثيرة، أكثرها لتسجيل"نقاط"سياسيّة، ثم أخذت تجمع التواقيع على عريضة لطرد الأستاذ من الجامعة. وجاء بعد ذلك طالب قال إنه ليكودي واعترف للأستاذ بأن طلاباً اجتمعوا مع أستاذة في كلية الطب بهدف التآمر لطرده. بعد ذلك هاجمت مجلة الجامعة"سبكتيتور"الدكتور مسعد عندما شارك في مهرجان داخل الحرم الجامعي تأييداً للفلسطينيين ونقلت عنه كلاماً لم يقله، مثل انّ إسرائيل"دولة عنصريّة فوقيّة"وانّ كل دولة من هذا النوع يجب أن تهدّد. وعندما احتجّ الأستاذ لكاتبة المقال زاه نواكوفسكي اعترفت بأنها لم تحضر المهرجان، ولكنها نقلت ما قال لها طالب آخر. ونشرت"سبكتيتور"في النهاية تصحيحاً. مع ذلك أخذ كريمر وبايبس ينقلان من الكلام المزوّر المنسوب للدكتور مسعد وينشرانه في الصحف كأنه صحيح وتزامن ذلك مع حملة على البريد الالكتروني للأستاذ بهدف تعطيله. ثم أخذ كريمر وبايبس يهاجمان ما ينشر الدكتور مسعد في"الأهرام"الأسبوعيّة، ويفعل مثلهما طالب اسمه آرييل بيري، لم يرَه الأستاذ في حياته، ومع ذلك ظهر في الفيلم ليقول عنه انّه"واحد من أكثر المفكّرين خطراً...". الدكتور مسعد لم يعلّم بيري ولم يرَه في حياته و"الطالب"هذا يقول إنه عمل جندياً في الجيش الإسرائيلي وخدم في لبنان. ويدخل في الصورة أيضاً الحاخام تشارلز تشير الذي حمل على الدكتور مسعد وطلب من إدارة الجامعة التحقيق معه، ثم أخذ يكتب في موقع عصابته وفي الصحف مشوّهاً كلام الأستاذ، وترجمة ما قال هذا وما كذب على لسانه تستحق دراسة خاصة، إلاّ أنني أزيد هنا أنّ الجندي الطالب الإسرائيلي نقل الكلام كما شوّهه الحاخام في الفيلم. ثم نقل آخرون الكلام نفسه، فيما واصل كريمر وبايبس مهاجمة البروفسور مسعد في الصحف... وطبعاً تشويه كلامه. وساعدهما جوناثان فالت هاريس، من العصابة نفسها، وزعم أنّ آراء الدكتور مسعد تشبه آراء النازيين، ثم تحدّث صراحة عن ترشيحه لمقعد أستاذية دائم في الجامعة، فهذا الترشيح هو الذي أطلق الحملة في الأصل، وإلى درجة استقدام إسرائيليين ويهود أجانب لتزوير الشهادات ضدّه. وإذا كانت حملات جرائد"تابلويد"متطرّفة من نوع"نيويورك ديلي نيوز"و"نيويورك صن"متوقّعة، فإن مجلّة الجامعة نفسها"سبكتيتور"لم تكن بريئة، وبعد طلب مقال للأستاذ دفاعاً عن نفسه خفضت عدد الكلمات المتّفق عليها، ثم لم تنشر المقال تاركة المجال لعصابة إسرائيل وحدها. وعلى الطريقة النازية الغوبلزية بتكرير الكذبة حتى يصدّقها الناس، فقد كان هناك آخرون نقلوا الكذب، وتوقفت عند امرأة اسمها دينا شانكر نقلت تفاصيل مواجهة مزعومة مع الأستاذ بثلاث صيغ مختلفة، كلها كاذبة. ومع ذلك فلجنة الجامعة دانت بعض تصرّفات الأستاذ. أريد قبل أن يضيق المجال انّ أقول ما لا يستطيع أستاذ جامعي قوله، وهو انّ الحكومة الإسرائيلية تتصرّف أحياناً بطريقة نازيّة، وانّ قطاع غزة معسكر اعتقال نازي، وانّ المجرمين في حكومة اولمرت الذين يطالبون بتسفير الفلسطينيين يمارسون فكراً نازياً معروفاً انتهى بتسفير اليهود إلى المحرقة. مقابل كل واحد من هؤلاء المتطرّفين المجرمين هناك ألف يهودي يريد السلام، ويكفي أن بعض أبرز اليهود الأميركيين أعلن معارضته التزام اللوبي وبناي بريث بإسرائيل على"عماها"، وأنّ بعض أبرز وجوه المجتمع البريطاني من اليهود انفصل عن مجلس النوّاب اليهود للسبب نفسه. معاملة الدكتور جوزف مسعد نموذج من ألف، وإدانة لإسرائيل وإرهابها لا البروفسور وأكاديميته.