لاحظ المعلقون على الشؤون اليهودية ظاهرة غريبة هي أن عدداً متزايداً من مهاجمي إسرائيل، وبعضهم يدعو الى إزالتها كدولة يهودية، هم أنفسهم يهود مثل نوعام تشومسكي وجورج سوروس ومايكل ليرنر ومارك ايليس وإيلي باريزر وتوني جوت وإيلان بابي ونورمان فنكلستين... الفقرة السابقة ليست لي وإنما هي ترجمة حرفية لأول أسطر في مقال كتبه عالم نفسي يهودي أميركي اسمه ديفيد غوتمان عن يهود يعارضون السياسة الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين. ومع أن الكاتب حاول أن يحلل نفسياتهم كيهود يكرهون أنفسهم، وكلامه غير صحيح أو دقيق وبين اليهود، كما في كل شعوب الأرض، هناك الصالح والطالح، والصهيونيون العنصريون ودعاة الحرب والمحافظون الجدد والمستوطنون السفلة يتهمون كل من يخاصم إسرائيل بأنه لا سامي، فإذا كان يهودياً سامياً فإنهم يتهمونه بكره نفسه. يستحيل أن يكون هذا العدد الهائل من اليهود الذين يعارضون الاحتلال ويريدون السلام مع الفلسطينيين والعالم كله مصاباً بعقد نفسية، فالاحتمال الأرجح أنهم «أوادم»، كما نقول في لبنان أي مجرد ناس محترمين، وأن الذين يتهمونهم يرتكبون جريمتين، فهم متطرفون فاشست، ثم انهم يرفضون أن يكون يهود آخرون دعاة عدالة وسلام. طبعاً القائمة التي بدأت بها مجرد أمثلة قدمها الكاتب، ولكن لو شئنا إنصاف جميع اليهود من معارضي الاحتلال والقتل والتدمير لامتلأت الجريدة كلها بأسمائهم من دون أن نكون تجاوزنا من الأبجدية أول حرفين أو ثلاثة فيها. قرأت حملة على البروفسور توني جوت، وهو أستاذ تاريخ بريطاني يعلم الآن في جامعة نيويورك وله سمعة أكاديمية رفيعة. غير أن ذنبه أنه كان صديق البروفسور إدوارد سعيد ودافع عن نورمان فنكلستين صاحب كتاب «صناعة المحرقة»، ثم إنه تجرأ على أن يكتب عن «الصورة المريعة لإسرائيل حيث أولاد سافرون يحملون رشاشات إم -16 يهددون مسنين عاجزين، والجرافات تدمر البيوت والهليكوبترات تطلق الصواريخ في شوارع سكنية...». وقرأت حملة أخرى على البروفسور مارك إيليس، وهو يهودي يعلم الدين في جامعة واكو المعمدانية تشمل أيضاً فنكلستين ومنظمة ذكرى دير ياسين التي تضم السويدي إسرائيل شامير والإسرائيلي مردخاي فانونو الذي فضح البرنامج النووي الإسرائيلي وسجن وغادر السجن ليواصل حملته على إسرائيل. وشن المتطرفون حملات شخصية على سوندرا هيل، وهي أستاذة جامعية وتهمتها الالتزام الكامل بالقضية الفلسطينية وطلبها مقاطعة إسرائيل لتأثرها بالبروفسور إدوارد سعيد، وعلى نعومي وولف لأنها تنتقد الولاياتالمتحدة ولا تنتقد «العدو الإسلامو - فاشستي». (لا أنسى نعومي كلاين كمفكرة منصفة تستحق الاحترام). من قرع الباب سمع الجواب، وإسرائيل هي الدولة الفاشستية، أو النازية الجديدة، الوحيدة في العالم اليوم، وجرائمها مسجلة وثابتة، وحكومتها تضم إرهابيين من «بلد» تعاقب على رئاسة حكومته إرهابيون مدانون. ربما زدت على قائمة اليهود المنصفين جيف هالبر، مدير اللجنة الإسرائيلية ضد هدم البيوت، فأنا لم أقرأ هجوماً لعصابة الشر عليه غير أن عمله في أهمية ما أثار حفيظة المتطرفين على النشطين الذين أوردتُ أسماءهم. وقد قرأت له أخيراً مقالاً طويلاً عنوانه «تفكيك بوتقة (أو مناخ) السيطرة» يقول فيه إن وقف الاستيطان ليس القضية، وإنما يبدأ الحل بستة عناصر: حرية التعبير للشعبين، وقدرة اقتصادية للفلسطينيين، ومعالجة قضية اللاجئين بشكل صادق، وأسلوب إقليمي للحل، وضمانات أمنية. وبعد ذلك التزام بحقوق الإنسان والقانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة. ربما كان القارئ العربي لا يعرف حجم معارضة إسرائيل ودعوات مقاطعتها في الجامعات الأميركية. وقد هاجمت عصابة الشر جامعة يال الكبرى لأنها رفضت نشر كتاب يضم الصور المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلّم). غير أن حملة العصابة اتسعت لتشمل الجامعات الأخرى وطلابها، فمثلاً منظمة الطلاب «من أجل العدالة في فلسطين أسِّست في جامعة كاليفورنيا، سنة 2001، وأصبحت لها فروع في 25 جامعة أميركية بينها يال وبرنستون وكولومبيا وجورجتاون وميشيغان وماريلاند. مقاطعة إسرائيل رداً على جرائمها وصلت الى مهرجان السينما في تورونتو، وهناك دائماً يهود منصفون يجاهرون بمواقفهم ضد إسرائيل، فليس كل يهودي شارون وليبرمان وداغان، والعياذ بالله.