هل يمكن ان يوجد من هو أسوأ من آرييل شارون وأحقر؟ أرشح دانيال بايبس، وهو صهيوني متطرّف يقف الى يمين شارون ان كان هذا ممكناً. ما كنت لأكتب عن هذا اليهودي الأميركي المريض بأحقاد التاريخ وأوهامه لولا ان الرئيس جورج بوش رشّحه لعضوية مجلس معهد السلام الأميركي، وهو ترشيح غريب مستهجن نهضت لمقاومته المنظمات العربية الأميركية، والمنظمات الإسلامية، ومنظمات دينية مشتركة، وأيضاً جماعات يهودية ليبرالية ومعتدلة تعرف حقيقة أفكار هذا الرجل. دانيال بايبس يخدم السلام بقدر ما خدمت الأم تريزا القفز العالي في الألعاب الأولمبية، فهو داعية حرب عنصري كنت أتابع نشاطه ضد العرب والمسلمين كما أفعل مع غيره، ثم زاد اهتمامي الشخصي به بعد ان هاجم الصديق البروفسور ادوارد سعيد، وزعم انه ليس من القدس، ولم يخسر بيت أسرته في النكبة. أعرف ادوارد سعيد جيداً، وكنت أعرف والدته وأخواته، وقد عملت شقيقته جويس معنا، وكنت أزور شقة الأسرة في شارع المقدسي، في رأس بيروت، وهي لا تبعد أكثر من مئة متر عن بيتي القديم في الشارع نفسه. وأذكر جيداً صوراً للعائلة من القدس على طاولة مستديرة في زاوية من الصالون، ثم يأتي بايبس لينكر على ادوارد سعيد أصله. وهو مثل ان أنكر أنا وقوع المحرقة، الا أنني لا أفعل، وأترك بايبس يكذب وحده. طبعاً الكذب على ادوارد سعيد لا يقاس شيئاً بعنصرية بايبس ضد العرب والمسلمين، وهو نتاج خط قديم من الصهيونيين الذين قلدوا النازيين في عنصريتهم، بدءاً بجابوتينسكي الذي قال ان السلام لن يتحقق حتى يقهر العرب نفسياً، وليس عسكرياً فقط، ومروراً ببن غوريون الذي كتب سنة 1936 ان قيام اسرائيل يتطلب ان يصاب العرب بيأس شامل كامل، ووصولاً الى بايبس، فالرجل الذي ينكر على ادوارد سعيد "قدسيته" ينكر ان يكون الفلسطينيون هجروا قسراً من بلادهم في 1947 و1948، وهو يرى ان لا سبب بالتالي للتفاوض على حق العودة. بل انه يطالب بانتصار عسكري اسرائىلي شامل وهزيمة فلسطينية شاملة، لتجفيف ارادة المقاومة عند الفلسطينيين. وهكذا يرى بايبس "ان الفلسطينيين بحاجة الى الهزيمة أكثر من حاجة اسرائيل الى الانتصار"، وهو رأي لا أناقشه، وإنما أبصق في وجه صاحبه. ويبقى بايبس على التطرف نفسه واللؤم ازاء الإسلام والمسلمين، فهو يتهم المسلمين الأميركيين بالتطرف ويقول انهم لن يتوقفوا حتى ينفذوا خطتهم بدء ثورة أميركية ثانية لفرض القانون الاسلامي على الولاياتالمتحدة. وقد انتقد قول الرئيس بوش ان الإسلام دين سلام، وقال حرفياً "كل المسلمين، لسوء الحظ، مشتبه بهم". غير انه عاد فقال ان بين 10 في المئة الى 15 في المئة من المسلمين متطرّفون. وهذا يعني انه يدين مئات ألوف المسلمين في الولاياتالمتحدة، ونحو مئة مليون الى 150 مليون مسلم حول العالم. وبين آراء بايبس الأخرى انه اذا عمل مسلحون أميركيون في الجيش أو أجهزة الأمن أو السلك الديبلوماسي، "يجب ان يراقبوا لمعرفة اي صلات بالارهاب". ليس أسهل من الرد على العنصرية بمثلها، ويستطيع أي مسلم ان يقول ان هناك ستة ملايين يهودي أميركي ولاؤهم لاسرائيل، وليس للولايات المتحدة، لذلك يجب ان يراقبوا اذا عملوا في الجيش أو أجهزة الأمن أو السلك الديبلوماسي لأنهم قد يتجسسون لبلد أجنبي ما يشكل خطراً على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط والدول الإسلامية كافة. غير ان مثل هذا الكلام عنصري مرفوض، ومن نوع عنصرية بايبس، والخطأ، أو الجريمة، لا يبرر الخطأ، أو الجريمة المقابلة. واجب كل عربي ومسلم في الولاياتالمتحدة وخارجها ان يتذكر ان غالبية اليهود ليبرالية معتدلة لا يمثلها بايبس في شيء. والرجل الذي يرفض "خريطة الطريق"، وهي خطة السلام الوحيدة المتوافرة، يواجه باستمرار ثلثي الاسرائىليين أنفسهم الذين يؤيدون "خريطة الطريق"، والسلام مع الفلسطينيين. كيف فكر الرئيس جورج بوش في ترشيح فاجر داعر من هذا النوع لمؤسسة سلام؟ الجواب نجده في الجهات التي تؤيد هذا العنصري المتطرف، فقد أيد ترشيحه التحالف المسيحي، أو جماعات المسيحيين الصهيونيين، ولجنة الشؤون العامة الأميركية - الاسرائىلية، أو ايباك، أي اللوبي اليهودي، والمؤتمر اليهودي الأميركي، والمنظمة الصهيونية الأميركية. ورحب بترشيح بايبس أمثال فرانك غافني، وهو من المحافظين الجدد، أو عصابة اسرائيل التي كتبت عنها حلقات كثيرة قبل شهرين، وعدت اليها بعد ذلك. ولم أضم بايبس في حينه الى تلك العصابة، لأنه عصابة من رجل واحد، يمثل أسوأ أنواع العنصرية وأوهام الدين والتاريخ، وهو يعارض السلام في الشرق الأوسط، ويكره العرب والمسلمين، ويحط من قدرهم في كل مناسبة، حتى انه يسخر من تقاليدهم، وما جاؤوا به الى الولاياتالمتحدة كمهاجرين. ثم يأتي الرئيس بوش ويرشحه لعضوية مجلس معهد السلام الأميركي، بل يحاول تجنّب عرض الترشيح على الكونغرس لتثبيته باختيار طريق اخرى يقاومها جميع دعاة السلام في الولاياتالمتحدة، من مختلف الطوائف والاتجاهات السياسية. وننتظر لنرى هل تكون الغلبة للتطرف والجريمة، أم الاعتدال والسلام؟