أكتب عن دانيال بايبس وأتجاوز رأيي فيه انه اعتذاري لإسرائيل وعنصري ينشر الكره للعرب والمسلمين، لأتوكأ على معلومات من مصادر غربية خالصة، أكثرها اميركي، وكلها من أرقى مستوى تفضح فكره المنحرف. مايكل ماسنغ من الوجوه البارزة في مطبوعة"كولومبيا جورناليزم ريفيو"، وهو كتب مقالاً في"نيويورك ريفيو اوف بوكس"هذا الشهر وصف فيه بايبس بأنه"محافظ جديد نشيط تبدو آراؤه متطرفة حتى في ذلك العالم المتطرف". وورد هذا التعليق ضمن عرض ماسنغ دراسة"لوبي اسرائيل والسياسة الخارجية الأميركية"التي كتبها البروفسور جون ميرزهايمر من جامعة شيكاغو والبروفسور ستيفن والت من جامعة هارفارد، وصدرت عن هارفارد. وكان الأستاذان قالا في دراستهما المشهورة ان لوبي اسرائيل يراقب ما يكتب الأساتذة ويعلمون، وسجلا ان"في ايلول سبتمبر 2002 اسس مارتن كريمر ودانيال بايبس، وهما من المحافظين الجدد المؤيدين لإسرائيل بحماسة موقعاً على الإنترنت باسم"مراقبة الحرم الجامعي"نشر ملفات عن اكاديميين مشتبه بهم اسرائيلياً، وشجعا الطلاب على تقديم تقارير عن الأساتذة المعادين لإسرائيل. وهذه محاولة مكشوفة لوضع قائمة سوداء بالأساتذة وإرهابهم اثارت رد فعل قاسياً ما اضطر بايبس وكريمر بعد ذلك الى سحب الملفات مع ان الموقع لا يزال يدعو الطلاب الى كشف"النشاط المعادي لإسرائيل". وأرسل بايبس رسالة الى مجلة"لندن ريفيو اوف بوكس"التي نشرت نصاً مختصراً من دراسة هارفارد زعم فيها ان كريمر لم يكن له دور في تأسيس"مراقبة الحرم الجامعي"، وهذا قد يكون صحيحاً إلا انه نشط جداً في عملها. وزعم بايبس انه لم يطلب أي لوبي منه ان يؤسس"مراقبة الحرم الجامعي"، ولم يتلق هو او منتدى الشرق الأوسط أوامر من أي لوبي خرافي، بل هو أسسه بنفسه، وتحدى ميرزهايمر ووالت ان يثبتا العكس. طبعاً هما لم يقولا العكس، وقد ردا عليه في المجلة اللندنية نفسها، وقالا:"ان المهم ان لوبي اسرائيل ليس عصابة سرية، بل يمارس نشاطه علناً، ولا تآمر أو نشاط غير قانوني فيه، وقد حاول دانيال بايبس ان يقدم صورة كاريكاتورية لينينية للوبي في رسالته نرفضها بوضوح. ان القراء سيلاحظون ان بايبس لا ينفي انه يستخدم مراقبة الحرم الجامعي لرصد ما يكتب الأكاديميون ويعلّمون ومنعهم من الحديث بحرية عن الشرق الأوسط". ما هي العلاقة بين دانيال بايبس ومارتن كريمر؟ كريمر واحد من"عشرين خبيراً في الإسلام، والأسلحة والشرق الأوسط"مرتبطين بمنتدى الشرق الأوسط، واسمه مسجل في موقع المنتدى على الإنترنت، كما ان كريمر محرر كبير في فصلية المنتدى. ويملك كريمر موقعاً إلكترونياً باسمه ومدونة وزاوية، ويزعم انه يوفر"دراسة بديلة لتاريخ الشرق الأوسط وسياسته"، أي دراسة إسرائيلية، أي انه"اخو راس"بايبس ومن النبع الفاسد نفسه. كلهم آرييل شارون، وكريمر زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وعلّم في جامعة تل أبيب 25 سنة، أي انه اسرائيلي بالكامل. وهو سنة 2001 ألّف كتاباً عنوانه"ابراج عاجية من الرمل: فشل دراسات الشرق الأوسط في اميركا"شن فيه حملة شعواء على الصديق الراحل ادوارد سعيد. لا حاجة بي شخصياً للمقارنة بين نقاء إدوارد سعيد وقذارة امثال بايبس وكريمر، والبروفسور فريد هاليداي، وهو اكاديمي بريطاني بارز في شؤون الشرق الأوسط، عرض كتاب كريمر في مجلة الشؤون الدولية الصادرة عن تشاتام هاوس وقال ان من حق كريمر بل واجبه ان ينقد عمل الأساتذة الآخرين عن الشرق الأوسط إلا انه وجد الكتاب مخيباً للآمال ويخلو من المسؤولية في بعض مادته. واتهم هاليداي كريمر بتشويه الدراسات المعاصرة للشرق الأوسط، وبالإساءة الى هذه الدراسات، والاعتداء على أساتذة معينين ومطبوعات. وفي حين ان هاليداي نفسه كان انتقد بعض اعمال ادوارد سعيد فإنه اتهم كريمر بشن حملة شعواء على البروفسور سعيد"تخلو من ابداع اكاديمي او معلوماتي". ولا يزال كريمر يشن حملات على بعض الأساتذة مثل البروفسور رشيد الخالدي الذي تبع ادوارد سعيد في جامعة كولومبيا، وهو ومنتدى الشرق الأوسط يهاجمان البروفسور جوان كول، استاذ التاريخ في جامعة ميشيغان لمنع تعيينه في جامعة يال. كريمر يزايد على بايبس في تطرفه الإسرائيلي، وبايبس يزايد على الإسرائيليين انفسهم، فهو في مقال نشر في آذار مارس الماضي تحت العنوان"اسرائيل تتجنب النصر"شكا من ان الإسرائيليين مقبلون على الانتخابات من دون ان تكون لدى أي من الأحزاب الرئيسية خطة لدحر الفلسطينيين، فالإسرائيليون بدل ان يطلبوا النصر يحاولون إدارة النزاع، وهو يصر على ان الكل يتجاهل الحاجة الى إلحاق هزيمة بالرفض الفلسطيني، وقد ردّ عليه بعض الإسرائيليين بحدة. وليس موقف بايبس من العراق ومأساته افضل وهو لا يرى حرباً أهلية في العراق كارثة استراتيجية لأنها ستنهي التعجيل في طلب الديموقراطية. والشكوى الرئيسة عنده ان"عناصر في الحكومة الأميركية، مرة بعد مرة، احرجها عماها ازاء الإسلام الجهادي"، وعلى الحكومة الأميركية"أن تدرك ان هناك عناصر في وسطها ولاؤها للحرب على الإرهاب هو عند الجانب الآخر". وهكذا فهو في عمى تطرفه يخون الإسرائيليين مرة، وقد قام بينهم من شكا منه، ويخون الأميركيين مرة اخرى، فهو من كلاب الحرب، ويعرف كيف ينبح أو يعض، إلا انه لا يعرف كيف يفاوض او يهادن.