بدأ الرئيس السوري بشار الاسد امس زيارة الى ايران هي الثانية منذ انتخاب الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، والرابعة منذ وصوله الى السلطة خلفا لوالده الرئيس الراحل حافظ الاسد. واقتصر الاستقبال الرسمي للرئيس السوري من قبل نظيره الايراني على استعراض حرس الشرف وجلسة لم يلها أي ايجاز صحافي كما جرت العادة في الاستقبالات الرسمية، حيث فضل الطرفان تأجيل عقد المؤتمر الصحافي المشترك من دون الكشف عن اسباب ذلك، ليعقد بعدها الاسد لقاء مطولاً مع رئيس"مجمع تشخيص مصلحة النظام"علي اكبر هاشمي رفسنجاني. وقال رفسنجاني ل"الحياة"بعد اللقاء ان"المحادثات تطرقت الى كل مسائل المنطقة: العلاقات الثنائية والعلاقة مع العراق وفلسطين ولبنان وكل المنطقة، لقد اتخذنا قرارا بالتعاون المستمر واليومي، على ان تشكل لجنة مشتركة لمتابعة التعاون حول تطورات هذه المسائل". واعتبر الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في بيان رئاسي ان"تدبير ووعي الدول الاسلامية خصوصاً ايران وسورية يساعدان على تغيير نتائج التطورات الاقليمية المتسارعة لصالح شعوب المنطقة"، مضيفا ان"هزيمة الكيان الصهيوني في اعتدائه على لبنان نتيجة المقاومة الشعبية الشجاعة وفشل الاحتلال الاميركي في العراق، دليلان واضحان على الضعف المتزايد وافول اميركا والصهيونية"، داعيا الدول الاسلامية الى"حفظ الوعي والوحدة والتدبير لمنع نجاح المؤامرات الجديدة للقوى المتسلطة وخلق الفتن بين المسلمين". واتهم في البيان اميركا"بالتآمر لخلق الفتن بين الشيعة والسنة لضرب الحكومة العراقية وتقسيم العراق". من جهته، اعتبر الاسد، بحسب البيان، ان"تعزيز العلاقات بين طهران ودمشق يحتل موقعا مهما في حل ازمات الدول الاسلامية وتقدم شعوبها وان سورية تريد توظيف الانجازات الايرانية القيمة في مختلف المجالات". ورأى ان المشاريع الاميركية للسيطرة على المنطقة"فشلت"، مضيفا ان اميركا"تسعى للتعويض عن فشلها بخلق ازمات جديدة في المنطقة وهي لذلك توجه كل يوم اتهامات لا اساس لها وجديدة ضد ايران وسورية لتشويه صورتهما". وقال رفسنجاني في بيان صادر عن مكتبه بعد محادثاته مع الأسد ان"الاوضاع الحساسة والدقيقة في المنطقة والعالم تستدعي التعاون والتشاور المنتظم بين ايران وسورية وان المنفعة من هذا التنسيق ستعود على كل المنطقة والعالم الاسلامي خصوصاً الشعبين في البلدين". في حين اعتبر الأسد ان البلدين"قادران بجهودهما على تقديم المساعدة للشعبين اللبناني والفلسطيني في الوصول الى اهدافهما"، وان الاميركيين"استنتجوا بأن الاسلوب العسكري فشل في تحقيق ما يريدون في المنطقة وهم يسعون الآن من خلال مؤامرة الفتنة الى الوصول لأهدافهم المشؤومة". ومن المقرر ان يلتقي الاسد خلال زيارته كلا من مرشد الجمهورية علي خامنئي والامين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني ووزير الخارجية منوشهر متقي، على ان يعقد جولة جديدة من المحادثات مع نظيره الايراني قبل مغادرته طهران عصر اليوم الاحد عائدا الى سورية. ومن المفترض ان تتطرق المحادثات التي سيجريها الاسد مع المسؤولين الايرانيين الى الاوضاع العراقية والتطورات السياسية في كل من لبنان وفلسطين والتعاون الاقليمي لحل النزاعات في المنطقة. وكانت اوساط متابعة للعلاقات الايرانية - السورية رأت ان الزيارة الحالية تأتي تعويضاً عن الزيارة التي كان مقرراً ان يقوم بها الى طهران خلال وجود الرئيس العراقي جلال طالباني فيها قبل نحو شهرين، لكنها تأجلت بناء على رغبة سورية. واضافت الاوساط ان الزيارة تأتي بعد تعزيز التشاور والتعاون الايراني - السعودي في الملفات الاقليمية، خصوصاً بعد"اتفاق مكةالمكرمة"بين حركتي"فتح"و"حماس"، والرغبة الايرانية - السعودية المشتركة في انجاح التوافق الفلسطيني، وهو ما سارعت سورية لإعلان دعمها له. وتعتقد المصادر نفسها ان التشاور الايراني - السعودي حول الملف اللبناني وصل الى نقاط ايجابية متقدمة، خصوصاً في تخفيف حدة الخطاب بين المعارضة وزعيم"تيار المستقبل"النائب سعد الحريري، وان هذه المرحلة تتطلب تعاونا سوريا واضحا في انجاح المحكمة الدولية في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، وايجاد مخارج للتخفيف من المخاوف السورية منها تمهيدا لاقرار ورقة الحل اللبنانية. وتضيف الاوساط المتابعة للزيارة ان طهران تسعى الى التخفيف من حدة الخلاف السوري - السعودي تمهيداً لاستعادة الحرارة على خط العلاقة بينهما، انطلاقاً من الملف اللبناني والدور السوري الايجابي في انجاح التوافق الفلسطيني. وفي الموضوع العراقي رأت الاوساط ان الزيارة تكتسب اهمية كبيرة في مساعدة الحكومة العراقية على النجاح واستعادة الامن والاستقرار ومنع تسرب المجموعات الارهابية الى هذا البلد، وبالتالي في التوصل الى ورقة تفاهم عربي - ايراني حول مستقبل العراق وقطع الطريق على الفتن المذهبية والطائفية في المنطقة. ومن المفترض ان تعقد اللجنة العليا الاقتصادية الايرانية - السورية اجتماعات لها على هامش الزيارة التي ستترافق مع توقيع اتفاقات اقتصادية عدة بين البلدين، حيث يبلغ حجم الاستثمارات الايرانية في سورية ما يقارب المليار دولار.